يومٌ يتلوهُ شهرٌ ثمَّ أعوامٌ مضت وكأنَّ دقائقها دهرٌ بأكمله فالقلبُ أنهكهُ الحنينُ ليقرأَ الآياتِ والدَعواتِ أمام قبرٍ تنامُ بينَ طياتِه الأم التي ماتت ولمْ يحظَ حتى بنظرةِ الوداعِ الأخيرة، أربعةَ عشرَ عاماً وهو ينظرُ إلى القمر المصلوبِ من نافذتهِ الصغيرةِ علَّهُ يجدُ طيفاً لأحِبائِهِ ليرأَفَ بهِ القدرُ أخيراً ويحضنَ الأب والأخ والحبيبَ وقبرَ أُمهُ.
الأسير المحرر علام نصار (39 عاماً) من قرية مادما جنوب نابلس تحدث لمكتب إعلام الأسرى عن ظروف اعتقاله وتجربة الأسر التي استمرت 14 عاماً ولحظة الإفراج عنه حيث أعتقله الاحتلال بتاريخ 10 تشرين الثاني/2005 ووجهة له تهمة العضوية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالإضافة إلى القيام بعمل عسكري.
بداية الاعتقال
بالرغم من مرور 14 عاماً على لحظة اعتقاله إلا أن نصار لم يزل يتذكر تلك اللحظات الأليمة والعصيبة، فيقول" طوردت لأكثر من عامين ونصف ولكن تمكن جيش الاحتلال من اعتقالي بعد مداهمة البناية التي كنت أمكث فيها في منطقة المخفية بنابلس وتهديدي بنسف البناية إذا لم أسلم نفسي ".
لحظة اعتقال نصار كانت صعبة بالنسبة، له فهو يعلم ماذا ينتظره في الأسر.
يقول نصار: "نحن كنا نعلم أننا مقبلون على مرحلة القيد والحرمان ولكن الأصعب هو البعد عن عائلتك وعدم التمكن من رؤيتهم شعوراً لا يمكن وصفه".
كانت السنة الأولى في اعتقال نصار هي الأصعب، فيقول: "في العام الأول لي لم أستطع بسهولة الخروج من حالة الحرية والمجتمع الذي عشت فيه والانخراط في المجتمع الآخر وفي عالم الأسر".
المعاناة داخل الأسر
وحول الوضع داخل السجن يقول إن المواجهة مع السجان هي حالة مستمرة وهجمة الاحتلال والسجان هي دائما على مدار ال 14 عاماً، وحتى قبل ذلك فهي على مدار الحركة الأسيرة.
ويضيف: "هناك هجمة مستمرة على حقوق الأسرى وإنجازات الأسرى عدا عن وجود مواجهات مباشرة مع هذه السياسات والمعركة".
فروقات كبيرة بين هجمة السجان المدجج بكل أنواع الأسلحة، ومواجهة الأسرى العزّل من كل شيء سوى الإرادة.
ويقول نصار: "الاحتلال يمتلك أدوات ووسائل وإمكانيات تفوق الأسير المعزول والخالي اليدين وليس بيده سوى ان يعاني من الآم الجوع ومعركة الأمعاء الخاوية من اجل أن يحقق مطالبه، فهذه الأداة الوحيدة التي يناضل بها".
ويشكل الإهمال الطبي أحد أبرز مظاهر معاناة الأسرى في السجون كما يقول نصار، فالأسرى الموجودون في سجن الرملة كانوا ينتظرون رقمهم بين شهداء الحركة الأسيرة.
ويضاف إلى ذلك مشكلة أجهزة التشويش ومحاولة تعميم وتعزيز هذه التجربة، بالإضافة إلى عذابات البوسطة، وهي عملية نقل الأسرى من وإلى المحاكم الإسرائيلية والتنقل بين السجون المختلفة.
وبحسب نصار، فإن هذه المرحلة من حياة الحركة الأسيرة هي الأصعب، فالاحتلال يسعى لتعزيز الانقسام داخل السجن، وعزل كل فصيل على حدة، فهم يسيرون على قاعدة "فرق تسد"، مستغلين حالة الانقسام.
نبأ وفاة والدته
لم يكن بالأمر السهل تلقي نصار نبأ وفاة والدته حيث تلقى الخبر أثناء مطاردته.
ويصف لنا شعوره فيقول: "لم أكن أتوقع أنني سأفقد يوماً والدتي رغم أنها كانت تعاني من بعض الأمراض، ولكن كان هذه الخبر كالصاعقة بالنسبة لي".
فذات يوم من أيام المطاردة، طلب منه بعض أقاربه الالتقاء به، وعندها أخبروه بأن والدته توفيت.
ويقول: "لقد كان هذا الخبر زلازلا لحياتي ووجودي، فمكانة الام غالية فكيف إذا كانت أما مميزة كأمي في عطائها ومحبتها لأبنائها، مع العلم أن كل الأمهات الفلسطينيات مميزات، لكن أمي كانت متميزة المتميزات".
إنجازات نصار
يشير نصار إلى الإنجازات التي حققها على المستوى الشخصي، ويقول: "تمكنت قبل اعتقالي بشهرين وأثناء مطاردتي أن أحصل على شهادة البكالوريوس، وداخل الاعتقال كان هناك محاولة للانضمام إلى الجامعة العصرية، ولكن في أول سنة تم ايقافها بعد عملية أسر شاليط، ولم نستطع الانضمام إليها".
وبجهود فردية ذاتية من الأسرى، تمكنوا من فتح أبواب جامعة القدس المفتوحة، وكان نصار أحد مدرسيها والمشرفين عن هذه الجامعة في السجن.
ويضيف: "كنت أحد المشرفين بإعطاء الأسرى المواد الجامعية ومتابعتهم، بالإضافة إلى محاولتي كسب ثقافة عامة أكثر والمزيد من المعرفة في جوانب مختلفة من خلال قراءة الكتب".
لحظة الإفراج
يبدأ المحرر نصار الحديث عن شعوره لحظة الإفراج عنه من الأسر، وعن لقائه مع أهله وعائلته فكان الشعور ممزوجا بالخوف والحزن والفرح.
ويقول: "لقد كان شعوري ممزوجا بين الحزن على رفاقي بالسجن، وفرحة لقاء الأهل والأحبة بعد 14عاما".
ويضيف: "هناك الكثير من الأسرى الذين استقبلوني عندما دخلت إلى السجن، وودعوني عندما خرجت قبلهم".
يكمل نصار عن لحظة اللقاء وهي الفرحة التي ينتظرها كل أسير ويحلم بها ، فقد تبدلت المواقف مثلما واجه صعوبة بالتأقلم في السجن قبل 14 عاما، واجه صعوبةً أيضا بالتأقلم في الخارج.
ويقول: "كنت احمل أفكارا مختلطة بين احتضان الأهل، وفي نفس الوقت شعور يراودني بالخوف من التغير الذي سيحدث، فأنا خلال 14 عاماً كنت بين قضبان السجن".
ويضيف: "كنت أحاول قدر الإمكان أن أخفي مشاعر الحزن فهي لحظة عظيمة يفترض أن نستقبلها بالفرح، ولكن لهفة الأهل واحتضان الأحبة والأصحاب استطاع أن يخرجني خلال دقائق من حالة الشعور بالخوف والقلق من الواقع المجهول الذي ينتظرني، إلى شعور الفرح والأمل بالغد".
كان لقاء نصار مع جدته الأكثر قرباً له والمليء بالمشاعر، فهي كانت تعطيه مشاعر الأم التي فقدها، ويرى بجدته والدته.
ويقول: "فرحتي كانت ناقصة فكنت أتمنى أن تستقبلني والدتي وأُقبّل جبينها، لم أستطع أن أقبل يدها فذهبت فور خروجي من السجن وقبلـت قبرها".
مطالب الأسرى
وحول مطالب الأسرى ورسالتهم إلى شعبهم وفصائلهم، يؤكد نصار أن مطلب الأسرى الأول السعي نحو حريتهم، وتقديم الدعم لهم دائما، وهذا على الصعيد الاعتقالي.
أما على الصعيد الوطني، فهم يطالبون فصائلهم بالوحدة الوطنية، فعند انتهاء الانقسام يمكن تحقيق المطالب الوطنية.