عبد اللطيف حمادة .. أسيرٌ يتجدد ألمه باعتقال ابنه نور ومنع أبنائه منير وعلاء من حق الزيارة
عبد اللطيف حمادة ونجله نور
إعلام الأسرى 

كبر الأسر في مفهوم الوجود الفلسطيني، إلى درجة انصهار جيلٍ جديدٍ وامتدادٍ من أسرى المؤبدات في سجون الاحتلال، ليصبح أمر وجود أسيرٍ وأبنائه في سجون الاحتلال أمراً متكرر الحدوث، فالأبناء عادةً ما ينهلون نهج أبائهم ودروبهم، حتى حفظت السجون سجلات عائلاتٍ لها أباءٌ وأبناءٌ وأحفادٌ في السجون.

صباح 17/4/2018، كان مختلفاً بالنسبة للأسير عبد اللطيف محمد لطفي حمادة(40عاماً)من سكان قرية برقين، قضاء مدينة جنين سابقاً، سجن ريمون حالياً، يوم أسيرٍ مختلف، وأضيف فيه سجلٌ جديدٌ من الألم لعائلة حمادة، لا تعلم العائلة كيف وصل خبرٌ مؤلمٌ كذاك لأسيرهم عبد اللطيف، كما ولا تعلم إن كان تذكر نفسه في الخبر قبل 16 عاماً، واعتصر ألماً لأجل جزءٍ من روحه.

على مدار سنوات طويلة منذ اعتقال الأسير عبد اللطيف حمادة، والتي وصلت ل16 عاماً، توالت الأخبار التي تحدث بعيداً عنه، أفراح أبنائه وبناته، نجاحاتهم، وقوفهم لوحدهم في معترك الحياة، وزوجةٌ أصبحت الأب والأم، وصولاً لابنٍ كان يتحضر لزفافٍ، فاختطفه الاحتلال من البيت وحرمه هذه الفرحة.

لم يكن اعتقال الأسير نور الدين عبد اللطيف حمادة(22عاماً) أمراً سهلاً للعائلة، أولاً لأنها تعلم معنى مرارة الأسر، محاكم الاحتلال، والتحقيق القاسي، وثانياً لأن نور كان بصدد التجهيز لحياة خالية من ضجيج الاحتلال، وغرف التحقيق ومحاكم التوقيف، لفرحة عقد قرانه.

نور الدين ثاني أكبر أسير لعائلته كان يتحضر لعقد قرانه بتاريخ 20/4/2018 الذي انقضى، غير أن اعتقاله قبل ذلك بثلاث أيام، حرمه وعروسه وعائلته هذا الحق البسيط وفرحة دخول السعادة بيتهم رغماً عن انتهاكات الاحتلال بحق والدهم وآلامهم لغيابه.

يقول منير حمادة(25عاماً)، الابن البكر للأسير عبد اللطيف حمادة"لا يزال نور متوجداً في أقسام التحقيق في عسقلان، لم تصلنا أي أخبار عنه منذ الاعتقال، كل ما نعرفه أنه لا يزال قيد التحقيق، ونجهل السبب وراء اعتقاله، ولا نصدق ما جرى، نور يخضع لجلسات تمديد توقيف منذ أيام وتم تمديد آخر جلسة بحقه حتى منتصف شهر أيار القادم".

في الوقت الذي حاولت فيه عائلة الأسير عبد اللطيف حمادة دفن ألمها قليلاً حاصر الاحتلال فرحهم مرةً أخرى وأعاد إليهم مشاهد اعتقال الوالد القديمة، يستذكر منير حمادة، صوراً يتذكرها صبيٌ بعمر الثامنة فيه توضح مشاهد اعتقال والده، وينقل الصورة بذهن الطفل ذلك في حديثه لمكتب إعلام الأسرى.

يقول منير حمادة"كان عمري ثماني سنوات حين جاء الاحتلال لاعتقال أبي، أتذكر المشهد جيداً، أرى الآن 14 ناقلةً للجند فقط لأبي، وجنوداً وتكبيلاً للأيدي، كانت الساعة تمام الرابعة، لا زلت أذكر أنه تعرض للضرب حين جرى اعتقاله".

منير حمادة لم ير والده منذ 10 سنوات، وفي كل مرة يتم رفض تصريحه بحجة المنع الأمني، كما أن شقيقه نور الآن لن يحظى بفعل الاعتقال وحتى بعد الإفراج بهذا الحق، وعلاء كذلك حرم بعد زيارة أو زيارتين من حق الحديث مع أبيه من خلف زجاجٍ سميك.

الأسير عبد اللطيف حمادة خاض غمار ثلاثة اعتقالاتٍ سابقة لاعتقاله الحالي الذي تعرض له بتاريخ 6/2/2002، وقضى فيها ما يقارب الأربع سنوات مجتمعة في أعقاب أحداث الانتفاضة ومقاومته للاحتلال بالحجارة وبكل ما كان الشعب الفلسطيني يمتلك آنذاك من أدوات مقاومة.

في العام 2002 وضع الاحتلال حداً لمقاومة الأسير عبد اللطيف حمادة، واعتقله تاركاً خلفه ثلاثة أطفالٍ وثلاث زهرات رمانٍ، لم يتجاوز عمر أصغرهن السبعة أشهر، وأصبح عبد اللطيف طريح مدافن الأحياء بحكمٍ مؤبدٍ مكررٍ ل12 مرة، لا تملك عائلته أن تعدها حتى.

سارة الصغيرة، والتي كانت هدية والديها الجديدة في الحياة، وصاحبة الشهور السبعة، كبرت اليوم ولا زال والدها في الأسر، كان تحدياً بالنسبة للعائلة أن تستمر في تذكيرها ببطولة والدها، وعطائه لوطنه، يرونها صوره ويسردون لها قصصه، فالعائلة حرمت في بداية اعتقال الأسير حمادة من حق رؤيته لسنواتٍ طويلة وكان لابد لسارة أن تكبر على خيالات أبيها وصوره وقصص أمها لها عنه، قبل أن يسمح لها أخيراً ولشقيقتيها وأمها بحق الزيارة.

بالنسبة لمنير الابن البكر للعائلة لم يكن سهلاً أن يتزوج في غياب والده وأن تمر العائلة بأفراحها والأب ليس معهم، وبالنسبة لعائلتهم كما عائلات الأسرى أصحاب الأحكام العالية يغدو المؤبد أمراً لا حد له، ومرضاً، فالإنسان حين ينتهي أجله، يغيب عن ذويه ويملكون له الدعاء ويكون مصيره معلوماً، لكن ألم المؤبد يستمر لسنواتٍ تجهل العائلة حدود نهايتها، وتتألم لوصفٍ كهذا عن واقع أسرى مدافن الأحياء الذين سرقوا منهم شباناً وأطفالاً وأمضوا قسراً سنواتٍ لا يعلم بألمها أحدٌ سواهم.

الأسير عبد اللطيف حمادة، وعلى مدار السنوات الماضية تنقل بين عددٍ كبيرٍ من السجون، حتى تؤكد عائلته بأنه زار السجون الاحتلالية مجتمعة، ومؤخراً يعاني من سياسة الإهمال الطبي، وبحاجة إلى أن يخرج لعيادة السجن على فتراتٍ متقاربة.

يعاني الأسير عبد اللطيف حمادة إضافةً إلى أمراضه المزمنة التي ألحقتها به السجون كمرض السكري والآلام المزمنة في فقرات العامود الفقري له، من صعوبة في الحركة، أصبح على إثرها ومنذ شهور عدة بحاجة لكرسي متحرك للتنقل، عدا عن آلامٍ أخرى من المؤكد أنه يبخل بها على عائلته.

اليوم تعيش عائلة الأسير حمادة كابوس تكرار الألم، محطات التحقيق بحق نجلهم نور الدين العريس الذي خُطفت فرحته ولم ينتهي ألمها بعد، ولا يعلمون ظروف الاعتقال وأسبابها.

كل ما كانوا يحاولون الحصول عليه هو فرصة لأفراحهم ومواصلتهم الحياة رغم فقد الأب وتغييبه عن دوره في المنزل وحقه في التربية وعيش حياةٍ طبيعية، والآن على أم منير أن تجهز قلبها المرهق لتخيلاتٍ وتحليلاتٍ لما سيحدث لاحقاً لابنها، شابٍ تعبت يداها وقلبها في سبيل أن ينال فرحته في الحياة، واليوم يُسلب هو أيضاً منها.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020