لأربعة أعوام ظل جسده المثقل بالأمراض والآلام ينتظر عبق الحرية، لأربعة أعوام عاش على أحاديث زوجته له حول الحياة خارج مسلخ الرملة، وحول اقتراب حريته، قبل خوضه حربه التي لا يعلم عنها أحد للانتقال إلى سجن جلبوع هرباً ونجاةً من وحش الرملة الذي كان يفترس صحته.
لأربعة أعوام بقي حكمه معلَّقاً وملف قضيته وملفه الصحي، لأربعة أعوام تجرع علاجاً كيماوياً لا يعرف ماهيته أحد ولا آثاره أحد ولا نوبات أوجاعه أحد، علاجٌ تسبب لاحقاً بأعراضٍ مميتةٍ لديه وصلت أخيراً إلى أن تصل المياه إلى رئتيه وتصل نسبة تمسك قلبه بالحياة إلى 15%.
اليوم بسام أمين محمد السايح (46عاماً) من سكان مدينة نابلس، يودع الحياة بعد حربٍ ضارية مع الأسر والمرض ووحش الرملة والعلاج الكيماوي القاتل، تاركاً خلفه إحصائيات مخيفة لمجتمع الأسرى تؤكد على أن هناك قرابة 700 أسير يعانون المرض خلف مدافن الأحياء، 160 منهم لديهم أمراضٌ مزمنة، وغالبيتهم من أصحاب الأحكام العالية، وقرابة ال30 منهم يعانون من مرض السرطان.
اليوم أيضاً يودع بسام الحياة واضعاً اليد على الجرح الذي لا زال يزف منذ العام 1967 حيث تشير إحصائيات مكتب إعلام الأسرى إلى أن 65 أسيراً منذ هذا العام رحلوا شهداء نتيجة الإهمال الطبي، في ظل ممارسة سياسة الإعدام البطيء بحقهم بحرمانهم من العلاج، وفي ظل ممارسة إدارة السجون العنهية التي تصل إلى حد إعطاء مريض سرطان علاجاً مماثلاً لمريضٍ اعتيادي يعاني من الصداع على سبيل المثال.
مكتب إعلام الأسرى يعرض موجزاً تفصيلياً عن حياة المناضل الأسير الشهيد الأيوبي بسام السايح بعد الإعلان عن استشهاده بسبب تعرضه لسياسة الإهمال الطبي، وعقب أربعة أعوام انتظرته فيها عائلته وزوجته الصابرة لينال حريته واختار له ربه جنان الآخرة، مؤكداً على أن استشهاد بسام يجب أن يحول أنظار شعبه نحو 700 أسيرٍ مريض أخطرهم أسماءً، سامي أبو دياك، منصور موقدة، ناهض الأقرع، خالد الشاويش، فواز بعارة، وهم أسرى يعاون أيضاً أحكاماً عالية.
بسام الأسير
ولد الأسير بسام السايح بتاريخ 31/8/1973، درس العلوم السياسية والصحافة في جامعة النجاح الوطنية وتعرض للاعتقال السياسي في سجون السلطة، وعمل في إطار تخصص العلاقات العامة، عمل مديراً لتوزيع جريدة فلسطين في الضفة الغربية، والتحق عقب ذلك ببرنامج الماجستير وحصل على درجة الماجستير في تخصص التخطيط والتنمية السياسية، كما ويملك شهادة دبلوم في تخصص إدارة الأعمال.
بتاريخ 8/10/2015 اعتقل الاحتلال الشهيد بسام السايح، ووجهت له المحكمة على الفور تهمة الاشتراك في تنفيذ عملية ايتمار والانتماء للخلية التي نفذت العملية عام 2015، والمكونة من الأسرى أصحاب المؤبدات الثلاثة وال30 عاماً، يحيى الحاج حمد، سمير الكوسا، كرم رزق المصري، زياد عامر، وراغب أحمد عليوي، وأمجد عليوي، وأسفرت العملية عن مقتل مستوطن وزوجته.
الاحتلال اتهم بسام السايح بالمشاركة في التخطيط لهذه العملية، غير أن حكمه بقي معلقاً لأربعة أعوامٍ نتيجة وضعه الصحي، ومكث في مسلخ الرملة وقته الأطول قبل أن يخوض حرباً ومطالبات لنقله إلى جلبوع، هرباً من ممارسات سجن الرملة الذي يصطلح الأسرى على تسميته بالمسلخ والذي لا يصلح لاحتواء إنسان مريض كبسام بنوعين من السرطان.
الأسير باسم السايح دخل أسره برفقة نوعين من السرطان ففي العام 2011 أصيب بمرض سرطان العظام، وعام 2013 أصيب بمرض سرطان الدم، ولحظة دخوله الأسر بدأت أمراضٌ أخرى تتكدس لديه، وفي سنته الأخيرة في هذه الحياة أصيب بانتكاسات صحية صعبة كما تؤكد زوجته منى السايح، وفقد قدرته على الحركة والكلام في أكثرها، وتعرض جسده لتقرحات وعقب استعادته جزءاً من عافيته عاد ليتعرض لانتكاسات أخرى، تداعى خلالها الإرهاق والألم لديه.
وفي الأشهر الأخيرة الماضية عاني بسام السايح ظروفاً صحيةً خطيرة واستثنائية وكانت مؤشراً لدخوله مرحلة الموت السريري، بعد إصابته بتضخم في الكبد، وضعف في عمل عضل القلب لتصل قدرتها على العمل إلى 15%، مع وجود مياه على رئتيه.
بسام شهيداً
عصر أمس الأحد، أعلنت إدارة سجون الاحتلال عن استشهاد بسام السايح داخل مستشفى آساف هروفيه، بعد أن كان قد انتقل قبل فترة من سجن جلبوع إلى مستشفى العفولة ثم جرى إعادته إلى مسلخ الرملة، وعلى الفور استنفر الأسرى داخل السجون بالتكبير والصيحات، وأغلقت كافة الأقسام تجنباً لأحداثٍ متوقعة.
بسام ترك خلفه في سجون الاحتلال شقيقاً أسيراً هو "محمد أمجد" أمين بسام السايح والمعتقل منذ العام 2002 والمحكوم بالسجن مدة 20 عاماً، وترك خلفه أماً مريضة وزوجةً محبة وعائلةً وأصدقاء كثر، وترك خلفه بلادً قدم لها منذ سنٍ غضة تضحياتٍ تفوق الحصر.
الأسير بسام السايح عانى انتكاساتٍ عدة في حياته لعل أصعبها اعتقال زوجته المحررة منى السايح أمام ناظريه، قبل أن يذهب لحضور محكمة لها ويعتقل من داخل المحكمة، وعانى من سياسة منع الزيارات فقد حرمت زوجته منى من زيارته منذ 10 أشهر مضت بحجة المنع الأمني، وعادت مراتٍ تعلم هي فقط عددها عن المعابر انتقاماً منها ومن زوجها.
مسلخ عيادة الرملة كان المكان الذي فقد فيه بسام السايح الجزء الأكبر من صحته، وفي ذات المكان يقبع قرابة 12 أسيراً بملفات صحية ترهق القلب يحتاجون وقفةً جادة من شعبهم ومؤسساته لينالوا حريتهم على الأقل من مسلخ الرملة صوب سجونٍ أخرى إن لم يكن صوب حقهم في الحرية، لا صوب الموت.
عملية ايتمار التي بدأت معها قصة الشهيد بسام السايح الأخيرة على هذه الأرض شهدت على قصةٍ تناقلها الجميع، فحين نفذت خلية ايتمار العملية وقتل المستوطن وزوجته وعرف منفذوها أن في السيارة أطفالاً لم يعتدوا عليهم وتركوهم وشأنهم، كما أملت عليهم إنسانيتهم، مقابل ذلك ولأشهرٍ طويلة طالبت عائلة بسام السايح والمؤسسات المختصة إطلاق سراحه في فترة حياته الأخيرة وحين كان معروفاً دخوله مرحلة الموت السريري فقط ليحيا لحظاته الأخيرة بين ذويه وتحت سقف الحرية، غير أن الاحتلال خطف منه هذا الحق وسرق سنوات حياته في سجونه.
حتى هذه اللحظة لا يزال مصير جثمان الشهيد بسام السايح الطاهر مجهولاً، كما هو مصير جثمان الأسير نصار طقاطقة الذي ارتقى بتاريخ 16/7/2019 ولم يسلم بعد، وفارس بارود الذي ارتقى بتاريخ 6/2/2019 ولم يسلم بعد، وعزيز عويسات الذي ارتقى بتاريخ 20/5/2018 ولم يسلم أيضاً.