بالدموع والصراخ والثكل ودّعت عائلة الشهيد محمد دار عدوان من مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة جثمانه، ولكن شقيقه فادي كان حينذاك ينظر بتمعّن إلى وجه شقيقه الصغير وهو مسجىً بلا روح وألف فكرة تجول في رأسه.
حمله على كتفيه وواراه الثرى ثم همس في أذنه بكلمات لم يعلمها أحد إلا بعد بضعة أشهر حين تم اعتقاله على يد الاحتلال، كان وقتها أخبره أن "دمك لن يجف حتى آخذ بثأرك".
مرت الأيام وعاش فادي خلالها مثل مكسور الجناح يشتاق أخيه الذي قتلته رصاصات الاحتلال بدم بارد في أبريل/ نيسان الماضي، كان يستذكر كل لحظة عاشها معه وضحكاتهما معاً ومواقفهما معاً، حتى كبر الألم في صدره ولم يعد يطاق.
وتتحدث والدة الشهيد محمد لـ مكتب إعلام الإسرى فتقول إن نجلها الأكبر فادي كان عادئا جدا بعد استشهاد شقيقه ولم تظهر عليه علامات فرح أو سرور منذ ذلك الحين، حتى حين أنجبت زوجته قبل شهر واحد طفلا وأسماه محمد تيمنا بالشهيد لم يكن في ذلك الحال من الفرح الشديد كما كل الآباء، بل كان هادئا صامتا معظم الوقت.
وفي ليلة السادس من يوليو/ تموز الماضي كان فادي غائبا عن المنزل تبعا لطبيعة عمله، وحين عاد في وقت متأخر قليلاً توجه إلى أمه فقبّل يديها ووجنتيها وقال لها "سامحيني.. سوف أشتاق لك كثيرا".
بدأ الشك يراودها فلماذا يقول مثل هذه الكلمات، كانت قلقة للغاية وتملأها الريبة فهي لم تجف دموعها بعد على نجلها الشهيد، "شو مالك يمة؟ ليش بتحكي هيك؟"
أخبرها فادي وعلى مسمع كل فرد من العائلة بأنه أقدم على دهس أربعة جنود قرب بلدة حزما شرق القدس المحتلة، ثم ودعهم جميعا بمن فيهم زوجته وطفلاه، وقبل أن يخرج أخبره والده أنه يجب أن يوصل زوجته وطفليه إلى منزل عائلتها في قرية دير عمار غرب رام الله قبل أن يقتحم الجنود المنزل.
وفي الطريق وهما عائديْن من القرية نصبت قوات الاحتلال حاجزا مفاجئا أوقفت خلاله مركبة فادي واعتقلته مع والده ونقلتهما للتحقيق.
أسابيع قاسية من التحقيق مر بها الأسير مع والده في مركز المسكوبية سيء الذكر، ثم أفرج عن الوالد وتم تحويل فادي إلى أقسام الأسرى في سجن عوفر.
توضح والدته بأنها رأته ثلاث مرات خلال المحاكم؛ فقالت له من منبع الأم القلقة "أخبرهم أنك لم تكن متعمدا بدهسهم وأن المركبة انزلقت وحدها"، فكان رده لها الذي زلزل قاعة المحاكمة "العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم".
حينها عمت المحكمة حالة من الذهول، فأي قلب يمتلكه هذا الذي يجعله ينطق بهذه الكلمات وهو مكبل وتحت سطوتهم، أي قلب يمتلكه جعله ينتقم لدماء أخيه بعد أقل من أربعة أشهر على استشهاده.
بدأت أمه بالبكاء فهي علمت أن نجلها سيحاكم لمدة طويلة وقد لا تحتضنه قريبا، ولكنه قال لها بصوت واثق "ارفعي رأسك يا أمي فأنت أم الشهيد لا تبكي ولا تحزني أنا أخذت بثأره ولقنتهم درسا".
ما زال فادي موقوفا بانتظار المحاكمة.. وما زال اسمه يتردد في المخيم بين الأطفال ومجموعات الشبان على أنه "الفدائي الصامت" الذي لم يقبل ضيما ولا ظلماً.