كابوس العودة في كيسٍ أسود لا يفارق تفكير أي أسيرٍ من الأسرى أصحاب الملفات الصحية الصعبة، تخيل مشهد حريةٍ إلى القبر بدلاً من بيت العائلة لا يغادر ذهن المنسيين منهم، فلم تمض أشهرٌ بعد، حتى ينسى أصحاب الضمائر، رسالة الأسير المريض أحمد عبد الفتاح عواد (39عاماً) من سكان مدينة طولكرم، إلى عائلته واصفاً سجنه بالثلاجة التي يحبس فيها حياً، ويتساءل فيها: كيف تريدون أن نشعر ونحن لا نرى سوى الأكفان والموت بانتظارنا؟.
يؤمن الأسرى المرضى في سجون الاحتلال بأن سياسة إدارة السجون فيما يخص أوضاعهم هو التدخل فقط من أجل الإبقاء عليهم أحياء، رغم أنهم شهداء مع وقف التنفيذ في ظل ما وصلت إليه حالاتهم الصحية من إهمال وآلام تتفاقم يوماً بعد يوم، علاوةً على التعامل مع الحالات الخاصة منهم كأصحاب أمراض بسيطة كالزكام في حين أنهم يعانون من آلام مرض السرطان القاتل.
مظهر جسد الأسير المريض الهزيل سامي أبو دياك، من سكان بلدة سيلة الظهر، قضاء مدينة جنين، لم يغادر ذهن والدته منذ زيارتها الأخيرة له ولا قلبها، وحين تقرر النوم تسمع كلماته لها أثناء الزيارة حين قال" أريد أن أموت في حضنك يا أمي"، فلا تستطيع إلى النوم وصولاً.
مصادر نقلت عن الأسير سامي أبو دياك المصاب بمرض السرطان قوله" اتركوني أموت بين أحضان والدتي" ونقلت المحامية ابتسام عناتي عنه قوله" من يحكم عليه بالإعدام يسألونه عن آخر أمنيةٍ له، أنا أمنيتي أن أموت بين أحضان والدتي وأن لا أذهب إليها ميتاً".
أم سامر والدة الأسير سامي أبو دياك قالت لمكتب إعلام الأسرى" ابني الأسير سامي أبو دياك في حالة خطرٍ شديد، والزيارة الأخيرة له كانت يوم الخميس الماضي، وشعرت أنني أمام شخصٍ ميت، فهو لا يستطيع أن يبقى معنا أكثر من ربع ساعة خلال الزيارة، ويأتي إلينا متأخراً بعد حقنه بعدة حقن حتى يستطيع أن يحضر الزيارة، وكلماته في الزيارة أوجعتنا وأنا لا أنام الليل بتاتاً، بعد أن قال لي: أريد أن أموت في حضنك يا أمي لا أريد أخرج في كيسٍ أسود كما يريد الاحتلال".
تضيف أم سامي أبو دياك بصوتٍ ممتزجٍ بالحزن والعتب" ابني اعتقل عام 2002 والمرض الخبيث بدأ ينتشر في جسده، وأطباء السجن لا يساعدونه، والأدوية لا تتفاعل مع جسده ووزنه الذي أصبح 39 كيلوغراماً، وهو لا يستطيع التنفس بشكلٍ طبيعي، وحياته بين الحين والآخر في خطرٍ شديد، وهو لا يرغب في الأكل، وأخبرني أنه لا يستطيع أن يأكل أصلاً، وهناك عمليات جراحية لا يستطيع جسده أن يتحملها وهي ضرورية، فقد أخبره الأطباء أن أي عملية جراحية ستؤدي إلى وفاته فوراً".
يتفاقم حزن أم سامي أبو دياك على نجلها المريض بعد الزيارة وبعد سماع كلماته، تقول" أتمنى من العالم أن يسمع كلام ابني المريض الأسير، فلم يعد في حياته من الوقت الكثير، وطلبه هو أن يكون بيننا، فهل نجد آذاناً صاغيةً تسمع كلام سامي الذي ضحى من أجل وطنه".
المحررة منى السايح، زوجة الأسير المريض بسام السايح، بسام المريض بثلاثة أنواع من السرطان قالت" زوجي نقل مؤخراً لمستشفى العفولة بعد تدهورٍ ألمَّ بصحته بشكلٍ سريع نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، وهو من النماذج المرضية الصعبة التي تحتاج إلى متابعة حثيثة، لكن مصلحة السجون تقدم له الأدوية وكأنه مريضٌ بمرض بسيط".
تضيف منى السايح" حالة زوجي تحتاج إلى عناية مكثفة في مستشفى متقدم، وليس في قسم للأسرى في سجن جلبوع، فأسرانا المرضى في حالة صعبة، ولولا عناية الله بهم، لكان حالهم أكثر كارثية مما هو عليه الآن".
ويروي المحرر المريض عبد الناصر الرابي تجربة مرضه في الأسر لمكتب إعلام الأسرى، فيقول" مكثت في الاعتقال الإداري الأخير قرابة العامين، وعانيت من إهمالٍ طبيٍ لا يوصف، فتعامل الاحتلال مع الملفات الطبية عنصري، ورغم أنني في الاعتقال الإداري بدون تهمة، إلا أنني وجدت في الأوراق الخاصة بي في المعاينات الطبية قراراً من المخابرات يقضي بعدم علاجي لأنني من فصيلٍ معارض".
يضيف الرابي" هذه الورقة دليلٌ لا لبس فيه على تدخل المخابرات في قضية علاج الأسرى المرضى، وتوصياتهم للجهات الطبية بعدم تقديم العلاج الطبي بشكلٍ مناسب، وقد شاهدت أسرى مرضى يتجرعون الألم أمام أعين قادة مصلحة السجون الذين لا يحركون ساكناً اتجاه هذه النماذج المحزنة من الأسرى، وأعداد الأسرى المرضى تزداد في سجون الاحتلال، كما أن حالتهم الصحية تتدهور بشكلٍ كبير".