ثقيلاً كان المساء على الأسير المحرر محمد جودت الشاويش (30عاماً) من سكان البلدة القديمة في القدس، فقد سرق الاحتلال أحلامه وتخيله لعرس حريته وخيال أمه يلوح من بعيدٍ تركض لاستقباله واحتضانه وتبكي وتطلق الزغاريد في آنٍ معاً، خُطفت توقعات محمد بهذه الفرحة حين توفيت والدته وتعمد الاحتلال رغم كل الضغوط للمطالبة بإطلاق سراحه أن يعطيه حريته من سجن مجدو بعد دفنها، ويحرمه بمقدار ساعاتٍ من وداعها إلى مثواها الأخير.
غصت الضمائر الحية الباقية حزناً على محمد وفقده كلا والديه خلال اعتقاله، وعلى أمه التي حرمها المرض والحبس المنزلي وأخيراً الموت وانتقام الاحتلال من لقاء فلذة كبدها حراً بعد سنواتٍ من الغياب، فخرجت جموع المقدسيين مشيعةً في جنازة والدة المحرر محمد شاويش في محاولة لتعويض غياب ابنها عن التشييع والتخفيف من ألم العائلة وألم القدس بفقدها للمحررة آمال الشاويش التي قدمت لوطنها نفسها وأبنائها.
مكتب إعلام الأسرى رصد حالةُ من وفاء المقدسيين المعهودة رداً على انتقام الاحتلال بحق عائلة الشاويش وحرمان محمد من وداع والدته، فقد شيع المقدسيون المحررة آمال محمود الشاويش(52عاماً) في جنازة مهيبة تليق بتضحياتها إلى مقبرة الرحمة، تماماً قبل أن تفرج سلطات الاحتلال عن نجلها محمد الشاويش، في تأخيرٍ متعمد؛ حتى لا يستطيع إلقاء نظرة الوداع عليها قبل أن تدفن في أرض القدس وبجوار المسجد الأقصى.
مشاهد الجنازة المهيبة أوصلت رسالة للاحتلال تؤكد على أن الشعب الفلسطيني لا ينسى أسراه وأسيراته وتضحياتهم حتى بعد الحرية، وبعد الموت، وقد تحدث رئيس لجنة أهالي أسرى القدس عن وفاء المقدسيين لمكتب إعلام الأسرى فقال" المقدسيون أظهروا وفاءً منقطع النظير للشهيدة آمال الشاويش، فجميع شرائح المجتمع المقدسي من صغار وكبار ومهندسين وأطباء ورجال أعمال ومحررين شاركوا في الجنازة التي خرجت من المسجد الأقصى نحو مقبرة الرحمة الملاصقة للمسجد، وقد التفوا حول الجنازة لإيصال رسالة للاحتلال بأن أمهات الأسرى والشهداء تيجان على الرؤوس، لتضحياتهن بأبنائهن وصبرهن على إجراءات الاحتلال".
المحرر والابن محمد الشاويش نال حريته بعد الانتهاء من تشيع المقدسيين لوالدته وحرم من وداعها، وهو الابن الذي اعتقله الاحتلال بتاريخ 22/4/2012، وبتهمة المشاركة في تنفيذ عملية طعن لأحد المستوطنين، صدر بحقه حكمٌ يقضي بالسجن الفعلي مدة خمس سنوات.
مطلع العام 2015 اعتقل الاحتلال والدة الأسير محمد الشاويش، الشهيدة آمال الشاويش وذلك خلال زيارتها له في سجن النقب، وبتهمة محاولة تهريب هواتف للأسرى أبقى عليها الاحتلال قيد الاعتقال مدة شهر ثم أطلق سراحها عقب ذلك وحولها للحبس المنزلي الذي استمر عامين، وهنا بدأت رحلتها الصعبة مع المرض.
يقول أبو عصب لمكتب إعلام الأسرى" الشهيدة آمال الشاويش أصيبت بمرض السرطان بعد اعتقالها عام 2015، وتحويلها لمدة عامين للحبس المنزلي، فهذا الحبس الظالم أثّر على علاجها من مرض السرطان، وزاد من تدهور صحتها بشكلٍ كبير، فالاحتلال عاقب الشهيدة آمال الشاويش باعتقالها وحرمانها من العلاج بسبب الحبس المنزلي الطويل".
تزامناً مع اتهام المحررة الشهيدة آمال الشاويش بتهريب الهواتف للأسرى صدر بحق ابنها في العام 2016 حكمٌ إضافي لحكمه الأصلي والبالغ خمس سنوات، وكانت مدة الحكم الجديدة 22 شهراً، لذات تهمة والدته، وحين قارب المحرر محمد الشاويش على إنهاء كلا الحكمين، ومع قرب حريته، حولته محكمة الاحتلال إلى الاعتقال الإداري وأصدرت بحقه أمراً إدارياً مدته ستة أشهر.
اعتقال محمد الإداري وحكمه الأخير كان من المفترض أن ينتهي بتاريخ 21/8/2019، إلا أن الاحتلال عمد إلى الإفراج عنه مبكراً عن موعد الحرية ومتأخراً عن موعد وداع والدته في صورة انتقامية ليست ببعيدة عن انتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني.
آمال الشاويش لم تكن الشطر الأول من روح نجلها الذي يفقده خلال اعتقاله، فقد فقد محمد الشاويش كذلك والده خلال سنوات أسره، ولم يتمكن محمد من الحصول على حق إنساني في إلقاء نظرة الوداع على أيٍ منهما.
أسيرٌ محرر ألقى كلمة أثناء دفن الشهيدة آمال الشاويش قال فيها" إن المقدسيين يعتبرون آمال الشاويش من المناضلات في سبيل حرية الوطن والمقدسات، والاحتلال لا يرحم عائلات الأسرى والشهداء ويحاول الإمعان في إيذائهم، إلا أن المجتمع الفلسطيني يقف سداً منيعاً أمام استهداف الاحتلال لعائلات الأسرى والشهداء، وهذه الجنازة التي خرج فيها الكل المقدسي جاءت دفاعاً عن الأسرى وعائلاتهم وسنداً لهم".