منذ ثماني سنوات، لم تستطع عائلات خمسة أسرى من قرية بعيدة في مدينة الخليل، أحد أكثر المدن التي تشهد حملات اعتقال ممنهجة، مسح مشاهد اعتقال أبنائها من الذاكرة، بالنسبة لهم لا يزال صوت قنابل الصوت مسموعاً حتى بعد ثماني سنوات، لا تزال أصوات الجنود التي ملات شوارع القرية ماثلة في أذهانهم، أصوات خلع الأبواب، والأكثر ألماً مشهد تكبيل أبنائهم وضربهم وتجريدهم من ملابسهم.
في قرية دير سامت، إحدى قرى منطقة دورا في محافظ الخليل، وقبل ثماني سنوات، بتاريخ 22/6/2010، داهم الاحتلال بآلياته القرية، بأعدادٍ كبيرة من الجنود وجرى اعتقال العشرات من شبان القرية، وسط إطلاقٍ لقنابل الصوت وخلعٍ للأبواب وتنكيلٍ وصراخٍ وضرب، وإطلاق رصاص حي داخل البيوت المقتحمَة، وتفجيرٍ واستخدام كلاب التفتيش، عقب ذلك التاريخ تماماً تغيرت حياة خمسة بيوت في القرية.
لم يعد بيت الأسير محمد جبر الحروب (36عاماً) كما هو، ولا منزل الأسير بهاء الدين علي العدم (36عاماً) زوجة الأسير علي يونس الحروب (45عاماً) لم تعد كما كانت، علاوةً على بيتها، ومنزل شقيقها رائد عيسى الحروب(33عاماً) لم يشهد استقراراً، كما اختلفت موازين حياة عائلة الأسير محمد إسماعيل الحروب(34عاماً).
تروي زوجة الأسير محمد جبر الحروب، أم قسّام في حديثٍ خاص لمكتب إعلام الأسرى، تفاصيل ألم العائلة منذ غياب زوجها، تقول أم قسّام"لم نره منذ أكثر من ستة أشهر، بسبب المنع الأمني، أطفاله لم يروه، ابنه البكر قسام صاحب السنوات الثمانية، وابنته تقى صاحبة العشر سنوات، لا يدركون معنى المنع الأمني، يطلبون زيارته دائماً، ولا يتمنون منا شيئاً آخر".
تضيف أم قسّام"حتى الآن لم يصدر لي الصليب تصريحاً، ولا أتلقى كلاماً سوى الذي يطالبني بالصبر لشهرين، حتى يصدر التصريح، ثم لا يصدر".
بالنسبة لعائلة الأسير علي الحروب، تمثل الزيارات، خطاً فاصلاً للحياة، فهي الطريقة الوحيدة التي يطمئنون فيها على صحته، بعد أن أورثته السجون أمراضاً خطيرةً مزمنة، فهو يعاني من مرض التهاب الكبد الوبائي.
تقول زوجته أم قسام"زوجي يعاني من فايروس في كبده وفي كليته، ويعاني من آثار كسرٍ في أنفه منذ اعتقاله، فقد تم التنكيل به بصورةٍ لا يتخيلها أحد، وتعرضت قدمه للكسر وتم تعذيبه أثناء التحقيق، كما ولديه مشاكل في التنفس، وفوق كل هذا لا يتلق العلاج اللازم، ويعاني من الإهمال الطبي".
تنتظر أم قسام مجهولاً ما يقرر مصير زوجها، ومصير زيارةٍ يسمحون بها تطمئن من خلالها على صحته التي تتفاقم سوءاً بمرور الأيام، وحتى تمتلك إجابات لطفليها اللذان يطالبان بالزيارة كل يوم، ويفتقدان والدهما في أدق تفاصيل الحياة.
الأسير محمد جبر الحروب يخوض حكماً بالسجن المؤبد إضافة إلى 45 عاماً أخرى، رفقة أمراضٍ تجهل العائلة إن كان أضيف لها مرضٌ آخر أيضاً، وكل ما يتلقاه من علاج هو المسكنات.
قصة الأسير أبو قسّام، تتكرر في قصة الأسرى الأربعة الآخرين من قرية دير سامت، والذين اعتقلهم الاحتلال عام 2010، وأبقى عليهم قيد التحقيق قرابة السبعة أشهر، ولم يصدر بحقهم حكمه الفعلي إلا بعد ثلاث سنوات، بأحكام تعسفية، وبدعوى تنفيذهم عملية أسفرت عن قتل ضابط وإصابة ثلاثة آخرين بتاريخ 14/5/2010، وبدعوى نيتهم تنفيذ عملية خطف، وتنفيذهم لعمليات إطلاق نار متفرقة.
أكثر من سبعة أشهر أمضت العائلات الخمسة في انتظار انتهاء تحقيق أبنائها في عسقلان، قبل أن يتقرر مصيرهم، الأسير بهاء الدين العدم، كان من بين من خاض مرارة الاعتقال والتحقيق والحكم التعسفي، ولم يكن التجربة الأولى لعائلته في دوائر المعاناة، فقد سبقه إليها شقيقه موسى العدم، والذي قضى في سجون الاحتلال سبع سنوات، وكان تحرر مؤخراً حين اعتقل شقيقه، واعتقل هو أيضاً وأفرج عنه لاحقاً، لتتجدد مسيرة ألم العائلة، ويضاف حكمٌ بالسجن المؤبد إضافة إلى 20 عاماً إلى سجلات نضالهم.
وفي بيت الأسير محمد إسماعيل الحروب(34عاماً)، والذي صدر بحقه حكم المؤبد، إضافة إلى 20 عاماً أخرى، لم يبق لعائلته سوى الصور القديمة، حين كان الفرح موجوداً في بيتهم، ولم يكن عليهم أن يطالبوا بحق الزيارة، ويتعرضوا للإهانة على المعابر والتفتيش.
كذلك، في قصة الأسيرين علي الحروب، الذي نال حكماً مدته 25 سنة، ورائد الحروب، الذي نال حكماً بالسجن المؤبد إضافة إلى 60 عاماً أخرى، تشترك زوجةٌ وأختٌ بالألم، تقول زوجة الأسير علي الحروب"الأمل بالنسبة لي مضاعف، فزوجي علي، وشقيقي رائد اعتقلا لذات القضية، وألمهما مشترك، والانتظار والقهر مشتركٌ أيضاً".
تضيف زوجة الأسير علي الحروب"أتذكر أن مداهمة القرية بدأت منتصف الليل واستمرت حتى آذان الفجر، المئات من الجنود انتشروا في المنطقة، أصوات قنابل، خلع للأبواب، وحشية، ومشهد تجريد زوجي من ملابسه في الشارع، وتفتيشه والتنكيل به، ورؤية أطفاله للحدث، لم يغادر أيٌ من هذا ذاكرتي".
زوجة الأسير علي الحروب أصبحت الأم والأب لأربعة ذكورٍ وثلاث إناث، أصغرهم بعمر اعتقال والده، وأكبرهم بعمر ال22 عاماً، أصبحت أباً لهمومهم ومتطلباتهم، ودراستهم، وحياتهم الاجتماعية، وأماً لآلامهم، وأحلامهم.
تقول زوجة الأسير علي الحروب"لم يشهد زوجي فرح ابنته فادية، ولا فرح ابنائه الآخرين، أعراسهم وخطبتهم، مشاكل كثيرة كان يجب أن يكون موجوداً لحلها، أفراحنا وأتراحنا، لحظات الاقتحام ما بعد اعتقاله، وأكثر من ذلك".
ست مراتٍ اضطرت زوجة الأسير الحروب أن تداري ألم ذاكرتها لاقتحام منزلها حتى بعد اعتقال زوجها، ست اقتحامات، تصفها بالغارات المفاجئة، التي لم تفهم يوماً سببها.
ما يزيد من الم عائلة الأسير علي الحروب، هو مكوثه في العيادات أكثر مما يمكث في الأسر، متنقلاً لأيامٍ في البسوطة، تقول زوجته"لديه آلام مزمنة في رأسه، وفي أسنانه، آلام غير عادية، وكثيراً ما يشعر بعدم الاتزان، يعاني من أمراض وراثية، ومشاكل في القلب على إثرها، ولا يتم تقديم العلاج اللازم له، تعدنا إدارة السجن بتقديمه في كل مرة، لكني أعلم أنهم لا يعطونه سوى المسكنات، فحين أذهب لزيارته لا يعجبني حاله، وأجد وضعه الصحي في تدهور".
في أول مرة رأت زوجة الأسير الحروب زوجها في المحكمة لم تتعرف عليه، وجهٌ شاحب من آثار التعذيب، ضعفٌ في جسده، حتى حين تم الإشارة إليه باسمه لم تتعرف عليه، ولم تصدق بأنه زوجها، تقول"صدمت، لم أعرفه، كان منظره مؤلماً، سبعة أشهرٍ في التحقيق لم نره، وسنواتٌ لاحقة من الحرمان، وحرمانٌ حالي من الزيارة، رفضٌ أمني، وفي كل مرة أكاد لا أتعرف عليه".
خمس مراتٍ تم إرجاع زوجة الأسير علي الحروب عن المعبر، ورفض تصريحها، وما تبقى يتم رفضه من الصليب الأحمر، أطفالها بعمر العاشرة والتاسعة ممنوعون أمنياً، وما من سببٍ لمنعهم هم أيضاً.
تختم زوجة الأسير علي الحروب حديثها بالقول" أخي رائد يعاني ايضاً من مشاكل صحية، ولا تقدم له إدارة السجن سوى المسكنات، كل العائلة عانت أملاً حين اعتقله الاحتلال رفقة أشقائي جهاد ومحمد وبلال، 22 يوماً انتظرناها قبل أن يطلق سراح أخوتي ويتم الإبقاء على زوجي وشقيقي رائد".
وفي بيت الأسير رائد الحروب، ربما تجلس ساجدة وخديجة وآسيا وأشرف إلى أمهم، يسمعون قصصاً عن والدهم، وعن حكمه غير القابل للعد، ينتظرون أمراً يسمح لهم أيضاً بزيارته، وسنواتٍ طويلة بعد سيحرمون فيها من الفرح، وستطرده قلوبهم حتى قبل أن يطرق الباب.