في كل مرةٍ يصدم الشعب الفلسطيني من تعامل الاحتلال بحق الطفولة الفلسطينية، ويرى في همجيته أمراً جلل، رغم مشهد اعتقال الطفل محمد يوسف ماضي(14عاماً)من مدينة خليل الرحمن، والذي عرض صوتاً بعيداً لأمه تطلب منه أن يبقى متماسكاً ولا يعترف عن أحد، ورغم مشهد الطفل فوزي الجنيدي(16عاماً)واعتقال عشرات الجنود لطفولته، ورغم ركض والدة عامر أبو عليا(17عاماً) من مدينة رام الله، خلف الجيب العسكري تطالب بإرجاعه، واطمئنانها لأنه اعتقل ولم يستشهد، وإخباره لهم حين حريته بأنه تعرض للضرب طيلة الطريق الواصلة للمسكوبية من بلدته المغير.
رغم كل هذا، ورغم الكم الكبير من المشاهد المدمية بحق طفولة هذا الشعب، يحق للفلسطيني أن يصاب بالدهشة في كل مرة من غطرسة الاحتلال في التعامل مع الأطفال، حتى بلغ اليوم عدد الأطفال في سجون الاحتلال وأمام صمت دولي مطبق، قرابة 350 طفلاً، منهم ثماني أسيرات قاصرت، يتوزعن بين سجني هشارون والدامون، ماذا عن الجزء الآخر من المعاناة الطفولية والتي تنتظر فتح قضبان الأسر عن أبائها وأمهاتها؟.
على الشق الآخر، مكتب إعلام الأسرى اختار تسليط الضوء على قصة من قصص الطفولة لأبناء الأسرى، من حياة ذويهم في مدافن الأحياء، مروراً بذاكرتهم عن وجوه أبائهم وأمهاتهم الأسرى، وصولاً إلى شبابيك الزيارة ورفضهم الطفولي لإذلال المعابر ومشاهد رؤية الجنود مدججين بالسلاح لأجل أهالي الأسرى العُزّل.
تماماً كل شهرين، بعد جولةٍ من سحب التصاريح ومنع الزيارة، تتحضر أم عمر، زوجة الأسير أنور عمر حمدان عليان(42عاماً)من سكان مخيم نور شمس، والذي يقضي حكماً بالسجن مدة 23عاماً لزيارته، من قبل كانت تزوره في سجن النقب الصحراوي، واليوم تزوره في سجن ريمون.
تروي زوجة الأسير عليان مشهد لقاء طفليها أصحاب الثلاث سنواتٍ الهدية الربانية لوالديهما، واللذان وفدا للحياة عن طريق النطف المهربة، وكانا بلسم الشفاء للعائلة، وتتحدث عن ألمها القاتل في كل مرة تلاحظ أنهما لا يتذكرانه جيداً ويخافان من الللحظة.
حين كان الأسير عليان متواجداً في سجن النقب الصحراوي، لم يكن يسمح لتوأميه عمر وعادل أن يدخلا لرؤيته، لكن حين تم نقله إلى سجن ريمون أصبح بإمكانه أن يحتضنهما في كل شهرين مرة، أن يشتم رائحة بيته من ملابسهما، وهواء مخيمه من أنفاسهما الطفولية.
تقول أم عمر"يقولون دائماً:بابا في السجن، ينتظرون زيارته بفارغ الصبر، يحبونه حباً جماً، لكن الطريق لزيارته متعبة ولا يعلم أحد بمرارتها، أصاب بالإرهاق لحملهما، وأقطع مسافة 3 ساعات ذهاباً وثلاثة أخرى إياباً للانتصار لوالدهما ولهما بحقوقهم في أن يروا بعضهم البعض".
تضيف أم عمر"تفاصيل الزيارة مرة وحلوة ذات الوقت، فعمر وعادل يخافان من الجنود، ويبكيان طلباً للعودة فهما طفلان، والأكثر ألماً هو أنهما يستغربان والدهما في كل مرة، لأن فترة الزيارات متباعدة وأنا أحزن كثياً لأجلهما".
حين وفد عمر وعادل للحياة، كانت والدتمها بحاجة لأبيهما ليكون موجوداً، حتى اليوم تبحث عنه كثيراً في منزل عائلته في مخيم نور شمس، بعد أن انتقلت مع عائلتها الصغيرة لصيدا، تستوحش الليل كثيراً، وتتألم لأسئلة طفليها ليلاً حين يسألان عن سر غياب والدهما، وعن موعد قدومه ليشتري لهما الألعاب كما يعدهما دائماً، ويأخذهما لدكانة الحي، وينام بجانبهما، لكن أم عمر لا تملك إجابات لعمرهما الصغير.
عمر وعادل قصة قصيرة لحياة أطفال الأسرى اللذين كبروا قبل الآوان، ولاحظت أمهاتهم نضوج أسئلتهم، فهم خاضوا تجربة الدخول للمعابر والتفتيش والإرجاع بعد مسافات طويلة دون أن يروا أسيرهم، ورأوا مشاهد العائلات في غرف الزيارة، واضطروا للدخول لاحتضان أبائهم على مرأى من ضباط يعلمون أنهم لا يشبهون ما اعتادوا عليه من مناظر الناس في شيء.
الأسير أنور عليان أنهى البارحة عامه الخماس عشر في سجون الاحتلال، ولم تملك زوجته أن تصف بكلمات وأبجديات اللغة ما معنى هذه السنوات كلها، وكل ما أوجزته بطريقتها المحبة هو أن زوجها سندٌ وفخرٌ لها ولأبنائها.