لم يكد "أسامة" و"فيروز" يفرحان بحرية والدهما ويعوضان فرحة غابت عنهما لما يقارب العام في عتمة الأسر؛ حتى باغتت أذرع الاحتلال سكينتهما واختطفت الابتسامة مجددا من محيّاهما.. ولكن هذه المرة لفترة أطول بكثير.
بقي الطفلان على أمل أن يعود لهما ذاك الحضن الدافئ؛ طال الأمر وهو مغيب عنهما، يلجآن أحيانا للدموع المكبوتة وأحيانا للأسئلة التي لا تنتهي.. بينما شقيقتهما الصغرى "شام" تبحث في صورته عن ألف جواب، فهي لا تدرك بعد أن مولدها جاء وهو حبيس أسوار السجون.
هكذا ربما اختصرنا حكاية الوجع التي تعيشها عائلة الأسير القسامي سعيد هرماس (31 عاما) من مدينة بيت لحم جنوب الضفة المحتلة، ولكن لا يمكن أبدا أن تُترجم هذه الحكايات، لأن كل لحظة تمر على الأسير وأطفاله وأهله تحكي مزيداً من القصص التي لا يمكن أن تُروى إلا بالصمت.
تقول عائلة الأسير لـ مكتب إعلام الأسرى إن أبو أسامة اعتقل في الأول من أيار عام 2016، في الثالثة فجراً اقتحمت وحدات صهيونية خاصة منزله وحين سأله أحدهم عن اسمه وأجاب؛ طرحه أرضا وأطلق كلبا بوليسياً فوقه، مشهد لا يمكن أن يغيب عن ذهن العائلة إلى الأبد، حتى بعد اعتقاله والزوجة والأطفال مندهشون من شدة وحشيتهم؛ عادت قوات الاحتلال لتعيث فسادا في المنزل لساعات.
شهر كامل والأسير يقاسي شدة التحقيق في مركز المسكوبية، زاد في معاناته اعتقاله المتكرر لدى أجهزة السلطة سابقاً واستخدام طريقة الشبح في التعذيب، عادت له المأساة ذاتها في التحقيق لدى الاحتلال وما زال إلى الآن يعاني من آلام في الذراعين والظهر.
تضيف العائلة بأنها علمت عن طريق المحامين التهم الموجهة إلى الأسير؛ كانت عدة تهم لم تثبت جميعها عليه، وهي العضوية في خلية الاستشهادي عبد الحميد أبو سرور الذي نفذ عمليته في القدس بتاريخ 18-4-2016 وتصنيع عبوات ناسفة وتصوير وصية الاستشهادي.. ولا تنكر أنها صُدمت بهذه التهم ولكنها في الوقت ذاته لم تستبعد ذلك كونه يملك من الروح الوطنية الكثير!
صفاتٌ طيبة
قبل أيام قليلة أصدرت محكمة الاحتلال وبعد مماطلة طويلة حكما بالسجن لمدة 14 عاما على الأسير هرماس، لم يؤثر ذلك في معنوياته ولم يزعزع ثقته في خالقه أن الحرية أقرب من أي وقت مضى.
وتستذكر عائلته صفاته التي تقفز إلى كلماتها فور أن تستحضر صورته؛ فهو المبتسم دائماً ذو المزاج الطيب الذي يبسّط أصعب الأمور وأعقدها، وهو ذو الروح المرحة الذي لا يستطيع إلا أن ينشر الابتسامة في وجه من يراه، ورغم ذلك فهو الغيور على وطنه وأرضه وعرضه ولا يقبل أن يقعد مع القاعدين.. لذلك كان من أوائل الثائرين.
سلسلة اعتقالات الأسير هرماس بدأت منذ أعوام طويلة؛ فأمضى ما يقارب ثمانية أعوام في سجون الاحتلال وأخرى متفرقة في سجون السلطة.. كما أنه شقيق الشهيد طالب هرماس الذي ارتقى عام 2003 وهو متوجه لتنفيذ عملية استشهادية، وما زال الاحتلال يحتجز جثمانه إلى الآن.
تقول العائلة:" ليس غريباً أن أبو أسامة يتمتع بهذه الروح الوطنية فهو يحب أرضه ووطنه ويسعى كما كل حر إلى أن تكون أرضا محررة، ولكنه في الوقت ذاته يحب الحياة ويبتسم لأبسط الأشياء ومتعلق بأطفاله ويحسن معاملتهم بل إنه الأب المثالي بالنسبة لهم".
الاحتلال وكي يزيد من وجع العائلة أجبرها على دفع الغرامة المالية بقيمة 55 ألف شيكل قبل صدور الحكم، ولكن معنويات الأسير المرتفعة وتفاؤله بيوم حرية قريب ينسيها أي وجع بل ويجعلها تتيقن أنها مسألة وقت قصير بإذن الله.
وفوق ذلك يحرم المحتل زوجة الأسير من زيارته بحجة ما يسمى المنع الأمني؛ تتمكن من ذلك كل ستة أشهر أو أكثر، أما أطفاله فيجدون في هذه الفسحة القصيرة متنفساً لبث أشواقهم لوالدهم، بينما تتأرجح شام الصغيرة بين التعرف عليه والخوف من اختراق هذا الحاجز الذي بناه الاحتلال في علاقتهما.
يستغل الأسير أبو أسامة كما بقية الأسرى وقته جيدا ليحول مقابر الأحياء إلى مصانع للحياة؛ فهو يعمل "حلاقاً" لإخوانه الأسرى وأكمل دراسة الدبلوم ويكمل شهادة دراسية أخرى من إحدى الجامعات، كما أنه حصل على شهادة السند المتصل وتلقى دورات عدة وأتم حفظ كتاب الله كاملاً.. ويشبهه في ذلك نجله أسامة ذي العشرة أعوام الذي يشارك في مسابقات لحفظ القرآن والأحاديث الشريفة ليعكس صورة والده في كل تصرفاته على أمل أن يعيد الله له ثم المقاومة والداً مغيباً هناك.. حيث الرجال الرجال.