منذ أيام صدر حكمٌ فعلي بحق أسيرٍ في هذه البلاد، فقالت أمه: الآن سيتسنى لي أن أعد الأيام والدقائق، أن أتخلص من الألم شيئاً فشيئاً، ويوماً ينتهي آخذاً معه عداداً لابني من سجونهم، ربما هذا هو اليوم الأول منذ اعتقاله الذي سأنام فيه هادئة البال.
أتيح لأم هذا الشاب أن تظفر بما يصطلح عليه أهالي الأسرى بعداد الحرية، الآن تعلم أي الأيام سيحمل حرية ابنها وزفةً وزغاريد لأجله، ولنسيان ألمها الذي امتد لسنواتٍ داخل أروقة المحاكم وركضاً خلف المحاميين.
لكن بالنسبة لأم أسيرٍ آخر، من مدينة الخليل، لم تنل هذه الفرحة المقيدة، لم يزل ألم اعتقال ابنها عن كاهلها يوماً بعد يوم، كان الاحتلال يقتل فيها الأمل قبل يومٍ واحد من موعد حريته المتوقع، يعيطها عداداً آخر لتتناسى به، فآخر، حتى يأتي العداد الجوهري الأخير، ولا تزال غير مصدقة أن وعود الاحتلال ستتحقق هذه المرة.
في مدينة الخليل، تعيش عائلة فلسطينية، أجواء فرحٍ وقلق، تحضر أمٌ في البيت قائمة لصنوف الحلوى التي ستجهزها في ذلك اليوم، فرحاً باستقبال صغيرها وإن كان كبيراً، وتحضر عروسه قائمة بصنوف الأطعمة التي يحبها، عروسٌ حرمت منه بعد شهورٍ قليلة من تأسيسهما لحياةٍ جديدة.
مرت عائلة أبو حسين أبو سنينة، بتجربة يحارب من أجلها اليوم ما يقارب ال450 أسيراً إدارياً لليوم 26 على التوالي، ضد قرارات المحاكم المجحفة والمتجددة بحقهم، عبر مقاطعتها، الشابة أمل أبو سنينة تسرد قصة شقيقها الإدارية، وقصة سنة حديثة من الانتظار، و10 سنواتٍ سابقة مماثلة في الألم.
القرار الجوهري
بتاريخ 27/2/2018 أصدرت محكمة عوفر العسكرية، قراراً جوهرياً بحق الأسير الخليلي يوسف عمران أبو سنينة(29عاماً)وبذلك تقرر موعد نهائي لحريته بتاريخ 12/5/2018، لكن آثار الألم وتجديد الإداري رغم ذلك لا تزال تقتل عائلته وترهق تفكيرهم.
تقول شقيقته أمل أبو سنينة"جددت المحكمة بحق شقيقي الأمر الإداري ثلاث مرات، قبل إصدار قرار جوهري بحقه، ليكون قد أتم العام حين خروجه في غضون أشهر قليلة، لكننا لا نزال قلقين من أن يتجدد الموعد مرة أخرى".
بالنظر لمفهوم الإداري، فإن الأسير يوسف أبو سنينة معتقل منذ تاريخ 15/5/2017 دون تهمة تذكر، بحجة الملف السري، لا العائلة تعلم قصة الاعتقال ولا الأسير ولا المحامي، وبذلك فإن اعتقال الأسير أبو سنينة جاء لأن الاحتلال لا يمتلك أدلة كافية لإدانته، تماماً ك450 أسيراً إداريً آخرين، كثيرٌ منهم أمضى سنوات طويلة في الاعتقال الإداري المتجدد.
10 سنوات
ليست سنة اعتقال الأسير أبو سنينة هذه بالوحيدة التي سلبت عائلته راحة البال والإطمئنان، فقد سبقتها 10 سنوات متقطعة من الاعتقال ما بين سجون السلطة والاحتلال، تقول شقيقته" كنا قد اعتدنا الوضع، لكن اعتقاله الحالي مؤلم أكثر، لأنه أعقب زواجه بأشهر ولم نكن قد فرحنا به، حتى سلبه الاحتلال منا مرة أخرى".
يضيف أبو سنينة"منذ عمر ال19عاماً، وأخي يتردد على السجون، ويتم إصدار أحكام متفاوتة بحقه في كل مرة، شهور وسنوات، وفي أحد اعتقالاته أمضى عامين تحت حكم الاعتقال الإداري، أظن أنه كان يمضي برفقتنا، سنة ونصف، ثم يعود الاحتلال لاعتقاله مجدداً".
في عائلة الأسير يوسف، قصة شقيقٍ آخر، أصغر الأشقاء الذكور، ويدعى بلال وقد اعتقله الاحتلال لثلاث سنوات في سجونه، وتمكن خلالها أن يلتقي بشقيقه يوسف لأول مرة منذ تلك الفترة داخل الأسر، حتى نال بلال حريته بتاريخ 9/7/2017.
الأسير يوسف أبو سنينة يتوسط خمسة أشقاء وثلاث شقيقات، وأماً تنتظره بفارغ الصبر، فقد حرمت من رؤيته نتيجة مرضها، وأجريت لها عملية جراحية في رقبتها وانقطعت عن زيارته منذ ذلك الوقت.
الألم الذي يلحق بعائلة أي أسير إداري تلخصه شقيقة يوسف بجملة واحدة"في كل اعتقال ليوسف يتم نقل والدتي إلى المستشفى"، عائلة الأسير يوسف أبو سنينة حرمت منه لسنوات طويلة ولا زال الإداري مصطلح يخيفهم حتى وإن كانت نهايته بجوهري، فهم يدركون أن لا أمان للاحتلال، ويأملون ذات الوقت أن لا تتكرر هذه التجربة معهم بتاتاً.
بإنهاء قصة الأسير أو سنينة ونيله حريته خلال شهرين تقريباً من اليوم، تنتهي معاناة عائلة كاملة قطعت مسافة طويلة من الألم قبل أن تظفر بعداد للحرية تهدده تجديدات متلاحقة، وفي حين لا تزال مئات القصص تنتظر القرار الجوهري ذاته.