لا شك أن الاعتقال الإداري وبإجماع كل من جرّب هذا النوع من الاعتقال هو أسوأ الفترات التي قد يقضيها الأسرى في سجون الاحتلال، حتى أن بعضهم يذهب إلى وصفه بالأقسى على الإطلاق إذا ما قورن حتى بالأحكام المؤبدة والعالية، ذلك أن الاعتقال الجائر هذا يخضع لمزاج جهاز المخابرات الصهيوني وانتقائهم مئات الأسماء التي يجب أن تقضي فترات حكم إدارية في السجون لسنوات دون أي تهمة.
ولا شك أن عددا من الأسرى الفلسطينيين خاضوا إضرابا عن الطعام لأيام طويلة من أجل مقاومة الإداري وأدواته، حيث يتلاعب جهاز المخابرات بمشاعر الأسير وعائلته حين يتم تجديد اعتقاله في يوم انتهاء التمديد السابق، وهكذا حتى يمضي الأسير سنوات ويقتطع من عمره مع أطفاله وزوجته الكثير من الأيام ويفوّت المناسبات واللحظات التي تحمل ذكريات لن تعاد، كله من أجل مزاج مخابراتي يهدف إلى كسر أرواح الأسرى وإراداتهم.
خطوة أولى
مؤخراً لجأ الأسرى الإداريون في خطوة موحدة إلى مقاطعة محاكم الاحتلال التي تصدر الأحكام الإدارية دون السماح للأسير بحضورها أو حتى مرافعة محامٍ عنه ودون وجود تهمة، على أمل أن تسهم في رفع الظلم عن 450 أسيراً إداريا في السجون.
ويقول المهندس وصفي قبها وزير شؤون الأسرى الأسبق لـ مكتب إعلام الأسرى بأن خطوة مقطاعة الأسرى الإداريين لمحاكم الاحتلال لا شك أنها تساهم في تخفيف عبء هذا الاعتقال الجائر، لأنه من مقتضيات أن تكون هناك عدالة وفق القانون الدولي أن يكون هناك قضاة وهيئة دفاع ومتهم؛ ولكن عندما ينعدم عنصران رئيسيان من هذه المنظومة وهما المحامي والمتهم وتبقى فقط المحكمة فهذا أمر غير مفهوم وغير منطي.
ويضيف قبها الذي عانى كذلك من الاعتقال الإداري بأن حال الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال كحال المثل الذي يقول "اذا كان غريمك القاضي فبمن تستنجد"، مبينا بأن هذا النظام القضائي الأعوج يؤثر على مصداقية هذا القضاء الصهيوني.
ويضيف:" عندما يقاطع الأسرى الإداريون المحاكم يوجهون رسالة للمجتمع الدولي بأن المحاكم وهيئة القضاة هي جزء من معاناتهم وليس طرفا محايدا".
ويشير الوزير السابق إلى أن هذه الخطوة الاحتجاجية تم تجريبها مسبقاً في سنوات التسعينيات وتبعها إضراب عن الطعام ما أدى إلى تخفيف وتيرة هذا الاعتقال بحق النشطاء والمحررين الفلسطينيين حتى اندلعت انتفاضة الأقصى والتي عاد فيها الاحتلال لاتسخدام سياسة الاعتقال الإداري.
ويصف قبها هذه الخطوة بأنها تميط اللثام عن عنصرية محاكم الاحتلال ويمكن البناء عليها مستقبلاً إن لم تحقق مقاطعة المحاكم ثمارها بأن يتم تخفيض سقف الاعتقال الإداري أو تحديده بأشهر معينة، لافتا إلى أن الاحتلال إن استمر في سياسة عدم توجيه تهم للمعتقلين الإداريين واعتقالهم على أساس ما يسمى بالملف السري فأنه يمكن أن تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى احتجاجية مثل الإضراب عن الطعام كما حدث قبل سنوات.
وأعرب عن توقعه بأن لا يخضع الاحتلال لقضية مقاطعة المحاكم وبالتالي الأجدر أن تتبعها خطوات أخرى كي تحقق هدفها.
قانونيا.. معنوية فقط
بدوره يرى المحامي محمود الحلبي بأن هذه الخطوة لا تخرج عن إطار كونها معنوية فقط، حيث يحاول الأسرى من خلالها لفت أنظار العالم إلى المأساة التي يعيشونها جراء الاعتقال الإداري.
ويقول المحامي الذي خاض تجربة طويلة في المحاكم العسكرية الصهيونية لـ مكتب إعلام الأسرى إنه من الناحية القانونية لا يوجد لهذه الخطوة تأثير على المحاكم لأن الأخيرة ليست صاحبة القرار في الاعتقالات الإدارية بل الذي يصدرها هو القائد العسكري، مبينا بانه بناء على حالات كثيرة مؤخراً لأسرى إداريين قاطعوا المحاكم بشكل فردي فإن القضاة صادقوا مرات عديدة على تجديد اعتقالهم الإداري.
ويشير إلى أن الخطوة معنوية لفضح سياسة الاحتلال وأن الاعتقال الإداري ملف سري وغير مكشوف لا يجوز للأسير والمحامي الاطلاع عليه، وهي خطوة تثبت للعالم أنه رغم عدم حضور أحد للترافع عن الأسير فإن المحكمة قامت بالمصادقة عليه دون وجود استئناف عليه.
ويضيف:" الخطوة تقول أمام العالم إن هناك معتقلين بشكل غير قانوني دون لوائح اتهام ودون محامين، ولكن عن نتائجها وبصراحة قد تكون عكسية لأن المحاكم أحيانا كانت تقرر تحديد فترة الاعتقال الإداري، ولكنها أحيان قليلة أن تتدخل في ذلك".