مهما بلغت مدارك الخيال في العقل البشري فإن تخيل أن أحدهم يمكن أن يمضي 20 عاماً متنقلاً بين مدافن الأحياء لأنه لم يقبل الذل وانتفض لوطنه، صعبٌ حتى على عائلته نفسها، أولئك من يتجرعون وحدهم فقط مرارة الانتظار والترقب والأمل بأن كل هذا العذاب سينقلب على مرتكبيه، وبأن حرية بعيدهم قريبة.
عشرون عاماً في سجون الاحتلال لم تكن كافية للاحتلال، في قصة أكثر من أسير، ولم تكن كافية أيضاً في قصة الأسير عمار الزبن (43 عاماً) من مدينة نابلس، وحدها صورة جبل جرزيم الذي ولد وترعرع فيه، لم تسلب منه رغم السنوات الطويلة التي مرت وسرقت أعماراً منه ومن أبنائه وحاول جهده أن ينسج حولها أحلامه.
من طفولته وبكل تأكيد يتذكر الأسير الزبن كيف كانت حياته الغضة، ويروي مكتب إعلام الأسرى تفاصيل حياته واعتقاله وسنوات سجنه التي مل بلا شك من عد أيامها، فقد نشأ الزبن في كنف عائلةٍ مكونةٍ من أخوين واختين، غير مدركٍ لما يخبأه له القدر من تفاصيل مؤلمة.
في العام 1994 فقد شقيقه بشار، وهو الشاب الذي أورث شقيقه معنى النضال والتضحية، فقد كان معتقلاً قبل أن يرتقي إلى العلا، ونشأ الأسير الزبن على معاني الوطنية منه، تزوج ورزق بابنتين، أصغرهما تدعى بشائر النصر وكانت تبلغ من العمر عاماً ونصف حين اعتقل، والأخرى تدعى بيسان وكانت لا تزال جنيناً في بطن أمها حين جرى أسره.
اليوم كبر الاعتقال في حياة الأسير الزبن، وكبرت طفلتيه بشائر وبيسان، بشائر تستعد لفرحة عامها الأخير في الجامعة، فرحة التخرج، وغصة الأمل بأن والدها لن يكون بجوارها في هكذا يوم، وبيسان تدرس الهندسة في الجامعة.
طرق نضالية
الاعتقال بشكلٍ أو بآخر لم يحرم الأسير الزبن من النضال بشتى الوسائل، فقد رزق عن طريق النطف المهربة بابنين أنسياه بعضاً من ألم وأرق ليالي السجون والتفكير الطويلة.
اليوم ورغم قهر مدافن الأحياء، كبرت عائلة الأسير الزبن، وأصبح لديه طفلين آخرين هما، مهند الذي أصبح عمره خمسة أعوام، وصلاح الدين ابن الثلاث سنوات.
كانت فكرة سفراء الحرية، موجودة في ذهن عمار الزبن وزوجته منذ العام 2002 ونضجت الفكرة عام 2006، إلى أن تمكن الأسير عام 2011 من أن يرزق بمولودٍ عبر النطف المهربة، فقد حملت زوجة الأسير الزبن بعد صفقة وفاء الأحرار التي رفض العدوّ أطلاق سراحه فيها.
رزق الأسير الزبن بابنه مهند في البداية، وبعد عامين في محاولة ثانية رزق بصلاح الدين، وبدأت محاولات الأسرى في السير على ذات الخطى، ليتجاوز عدد سفراء الحرية اليوم السبعين سفيراً.
عشرون عاماً كاملة، وثلاث سنوات سابقة، هي المدة التي سُرقت قسراً من عمر الأسير الزبن واضطر لأن يقضيها في سجون الاحتلال، كان عائداً من الأردن حين اعتقل، كانت تلك هي المرة الأولى التي يسافر فيها إلى الخارج، قضى خمسة أيامٍ فقط، ثم عاد ليقضي ما تبقى له من حياة القدر داخل أقبية التحقيق وخلف قضبان السجن.
بتاريخ 11/1/1998 اعتقل الأسير الزبن، حتى صدر بحقه حكمٌ يقضي بالسجن مدة 26 مؤبداً وعشرين عاماً أخرى، وذلك بتهمة التخطيط والتنفيذ لعدة عمليات باسم كتائب القسام، أدت اثنتان منها لقتل20 مستوطن، وأصابة المئات، وحين تبين للاحتلال لاحقاً اشتراك الأسير الزبن بتجنيد أسيرين، تم إضافة عامين آخرين إلى حكمه.
عمل الأسير عمار الزبن مع الدائرة المحيطة بالشهيد المهندس يحيى عياش وذلك عام 1994، وقد اعتقل في بداية نضاله اعتقالاً إدارياً دام ستة أشهر، توالت بعدها مراحل نضاله، حتى وصل مرحلة الاعتقال الحالي.
الأديب الزبن
وتطورت السنوات النضالية للأسير الزبن داخل الاعتقال، حتى نال لقب الأديب، فقد أظهرت سنوات الأسر لدى الأسير عمار الزبن قوةً كان يجهلها.
تمكن الأسير الزبن من تحدي نفسه وإصدار رواية بعنوان عندما يزهر البرتقال، صدرت عن مؤسسة فلسطين للثقافة في سوريا، ثم أصدر رواية من خلف الخطوط، فرواية الزُّمرة الصادرة حديثاً عن المكتب الإعلامي لكتائب القسام، ولا يزال الأسير الزبن مستمراً في عمله الأدبي وبصدد إصدار أعمال أدبية أخرى استثنائية.
عام 2004، تعرض الأسير الزبن لحزنٍ كبير حين استشهدت والدته في إضراب العام 2004، وحين رحل عدد من رفاق عمره شهداء، وكان الحزن الأكبر حين تحرر رفاق الأسر واحداً تل والآخر وبقي هو رهين الزنازين.
الخروج من الأسر بالنسبة للأسرى أمثال عمار الزبن يساوي تماماً الخروج من القبر، فسجونهم ما هي إلا مدافن أحياء، ورغم السنوات الطويلة التي طويت من أعمارهم داخل سجون الاحتلال، إلا أن أملهم بالحرية يبدو كبيراً في نظرهم وقريباً جداً.