يشكل اعتقال الأسرى الأطفال في سجون الاحتلال، صدمةً للأسرى الكبار وخاصة للذين اعتقلوا بعيداً عن مرحلة الطفولة، الأسير المحرر والأديب وليد الهودلي يتحدث لمكتب إعلام الأسرى حول ما الذي يعنيه وجود أطفال أسرى في السجون ومدى خطر ذلك عليهم.
المحرر وليد الهودلي والذي أمضى في الأسر أكثر من أربعة عشر عاماً، واعتقلت زوجته المحررة عطاف عليان عدة سنوات، ورافقتها طفلتها عائشة في الأسر لمدة عامين، يروي مشاهد اعتقال الأطفال في السجن والتي كان شاهداً عليها.
يقول الأديب الهودلي"هذه المرة أتحدث كشاهد عيان، كنت شاهداً عندما اختارتني اللجنة الوطنية العامة للفصائل الفلسطينية في سجن كفار يونا عام 1999 للإشراف على أشبال السجن تربوياً وثقافياً لمدة سنة كاملة، فاطلعت على معاناتهم بكل تفاصيلها، ثم كنت شاهداً أيضا بعد ثماني سنوات عندما كانت ابنتي عائشة مع أمها في السجن، وخرجت بعمر السنتين وشهرين، فعاينت نفسية طفلة غضة طرية قد وقع عليها قهر السجان بداية رحلة عمرها".
يضيف الهودلي"عندما جاءنا تسعة وثلاثين طفلاً نحن المعتقلين الكبار في سجن كفار يونا وجدنا أنفسنا أمام صدمة من العيار الثقيل، كان أحدنا قد اعتاد على رؤية أطفاله خلف الشبك في زيارة سريعة لا تكاد تبدأ حتى تنتهي فيعود الطفل إلى حضن أمه بعد أن رأى أباه وقد قطع شبك الزيارة وجهه إلى قطع صغيرة".
يستطرد المحرر الهودلي"لقد رأى أباه متناثراً متلاشياً، وكأنه طيف شبح عابر، ورأى الأب المعتقل طفله أيقونة بريئة لا تحتمل رؤية السجن وما فيه من مآسي رغم كل الابتسامات والضحكات التي يتفنن الآباء في صناعتها والتدرب عليها؛ كي يخففوا من وقع الصدمة على أبنائهم".
يسرد المحرر الهودلي مشاهد العذاب قائلاً"أما أن يرى المرء أطفالاً تسير على قدميها داخل الفورة في ساحة السجن، ثم تعود لدفن أرواحها الصغيرة في زنازين لا تتسع إلى خيال طفولة ولا إلى براءة أرواحها الصغيرة، يا الهي أنّى لهذه القلوب الرقيقة أن تحتمل المبيت في هذه الصحاري القاحلة".
يصف المحرر الهودلي مدافن الأحياء التي يمضي الأسرى وخاصة الأطفال أعمارهم فيها فيقول"لا شيء فيها سوى عوائهم ونباح كلابهم، كيف ينام هذا الطفل تحت بطانية لا يجد في ثناياها دفء أمه؟ كيف تغمض عيناه على صورة بؤساء مثله تتقاسمهم أصوات الحديد الصدئة؟ ستداهم روحه ليلاً صورة المحقق الشرس الذي أخرج له أنياب الحكايات المرعبة، يرى الغول والذئب دون ليلى، وصورة الجندي الذي وضع القيد في يديه وألقى بالكيس النتن على رأسه ورمى به في غياهب زنزانة لا حدود لقسوتها".
يتخيل المحرر الهودلي كيف أن الأسير الطفل لن ينام قبل أن يستعيد شريط الاعتقال من أوله إلى اللحظة التي بات فيها ينتظر لحظة انشقاق جدران السجن وظهور الشاطر حسن أو علاء الدين بمصباحه الجميل، أو ذاك الذي يفك سحر الساحر ويعيد الأميرة إلى قصر أبيها".
ويتابع قائلاً"أصبحنا في سجن "كفار يونا" مع انضمام الأطفال إلينا في عذابين، عذاب وجودنا في السجن أولاً، ثم عذاب السؤال الذي يطرق جدران وعينا ثانياً، ماذا يريدون من هؤلاء الأطفال وهل يتحملون ما يتحمله الكبار؟ لم نجد أي فرقٍ في طرق العذاب، ما يكال للكبار يكال للصغار دون أية مراعاة لحقوق طفل أو احتياجات عمره الصغير أو ما حفظته البشرية بما يخص الأطفال واعتقالهم".
يوضح الهودلي طرق معاملة إدارة السجون مع الأطفال الأسرى فيقول"كنا وإياهم نأكل ذات الأكل ونخرج لنفس ساعات الخروج للساحة، ونتلقى نفس العلاج وأدوية العيادة الشكلية وأساليبها المماطلة والمقيتة ونفس البوسطة وعذاباتها ومرارة الزيارة والعنت الذي يلاقيه الأهالي فيها والمحاكم المعروفة بقسوتها، وبعدها كل البعد عن أية عدالة أو محاولة للبحث عن أنصاف بحث جدي في التهم المنسوبة إلي الطفل.
يضيف الهودلي"لم يكن لهم اعتبار تعليمي أو تطويري لأية مهارة من مهارات طفولتهم في متطلبات مراحلهم العمرية كأي أطفال في العالم، كانوا يفتقدون أية وسيلة للعب أو الترفيه، كنا نخيط لهم كرة قدم قديمة كلما اهترأت أعدنا لها الحياة من جديد، وكنا نضطر لابتكار ألعاب ترفيهية دون أدوات، كمحاولة بائسة للتخفيف من ألامهم النفسية".
يكشف الهودلي تفاصيل حول حياة الأطفال الأسرى في السجون فيقول"أذكر أننا خضنا إضراباً نحن الكبار فحرمونا من زيارة الأهل وأضافوا الأطفال إلى هذه العقوبة فاستمر هذا المنع لمدة ستة شهور، وهل لنا أن نتخيل طفلاً موقوفاً لا يعرف مصيره ولا ما ينتظره في محاكمهم اللعينة دون أن يزوره أهله ليزودوه ببعض الطمأنينة وما وصلت إليه المداولات مع محاميه، أو أن تأتيه أمه فيبث لها شيئا من حنينه وفراغ قلبه".
وعن طريقة الاعتقال التي يتعرض لها الأطفال الأسرى يروي الهودلي"إذا أردنا أن نتحدث عن طريقة الاعتقال والفترة الفاصلة بين البيت والسجن، كيف انقض الذئاب على فريستهم وساقوها إلى وكرهم؟ وكيف كان التحقيق إذ ما رأيناه مع الطفل مناصرة من تصوير أثناء التحقيق معه، إذ لم يكن تحقيق مخابرات وإنما تحقيق شرطة، وهذا لا يذكر مع تحقيق المخابرات، كيف يقضي الطفل الفلسطيني وحده منفرداً في زنزانة مظلمة، وكيف يترقب فتح بابها ساعات طويلة جداً ولأيام لا تكاد أن تكون لها نهاية، ثم سحبه إلى زبانية العذاب، ليقيموا له حفلة ليلية ويتسلوا على آلامه طيلة الليل".