تجلس أم محمد على زاوية المقعد تحمل بيدها صورتين وصلتاها قبل أشهر من سجون القهر، تتمعن فيهما وتغرق في دموعها رغماً عنها، فكيف لها أن تتصور الحياة معتمة على صغيرها "آخر العنقود" الذي كوى الاحتلال فيه قلبها مرتين.
أما الوالد فيسير بخطوات قصيرة مرتجفة بين غرف المنزل يستقبل الاتصالات والمكالمات بينما قلبه هناك مولعٌ بالقلق على نجله، يتكلم مع وسائل الإعلام وفكره مشغول ينتظر ما يمكن أن يطمئنه على نجله الأسير.
انقلاب الحال
الرابع والعشرون من شهر أكتوبر الماضي كان يوما فارقا في حياة عائلة الأسير محمد مازن دويكات (30 عاما) من مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة، ففي ذلك اليوم فقد الأسير حاسة البصر في عينيه بعد إصابته بفيروس نادر فيهما غذاه الإهمال الطبي.
وتقول والدته لـ"مكتب إعلام الأسرى":" قمت بزيارة محمد خلال شهر أكتوبر ولاحظت احمراراً في عينيه وتعباً باديا عليه، سألته عن السبب وشُغل تفكيري طوال وقت الزيارة علما أنه لم يكن يعاني من أي شيء قبل اعتقاله".
لم تتمكن الأم من نسيان الأمر أسوة بكل الأمهات في العالم، فبقيت تفكر فيما أصاب صغيرها مقهورة على حاله رغم أنه طمأنها وأخبرها أن زيارة واحدة لعيادة السجن كفيلة بحل المشكلة، ولكن اتصالا تلقته العائلة قلب حياتها وحالها رأسا على عقب.
وتضيف:" هاتفتني إحدى قريباتي التي تزور زوجها في سجون الاحتلال لتبلغنا أنها علمت منه أن محمد فقد القدرة على البصر كلياً، لم أتمالك نفسي ولا حتى هي التي شاركتني البكاء على سماعة الهاتف، لم أتوقع أبداً أن يفقد محمد بصره وأن يصبح بين ليلة وضحاها كفيفاً لا يقوى على الرؤية".
قوة من جيش الاحتلال داهمت منزل عائلة دويكات في المدينة واعتقلت محمد من منزله قبل ما يقارب العام، وما زال حتى الآن رهن تأجيل المحاكمات دون إصدار حكم نهائي بحقه، ليعين له الاحتلال جلسة محاكمة في الحادي عشر من شهر ديسمبر الحالي.
وتشكو الوالدة من قضية الإهمال الطبي، حيث ورغم معاناته من فقدان البصر لم يتم نقله إلا مرة إلى مستشفى العفولة وتمت إعادته إلى سجن جلبوع في أقسام الأسرى دون أي رعاية طبية، مؤكدة أن الأسرى هم من يقومون بمساعدته والاعتناء به.
ألم اللقاء
والد الأسير دويكات تلقى صفعة أخرى إلى جانب قضيتي الاعتقال وفقدان البصر، فيروي لـ مكتب إعلام الأسرى مرار حضوره لإحدى جلسات المحاكمة لنجله.
ويقول:" توجهت إلى قاعة المحكمة بعد أن علمنا بأن محمد فقد بصره، لم أصدق ذلك وتأملت خيرا أن أراه بحال أحسن مما كنت أتوقع، وهناك في القاعة رأيته ورفعت يدي ملوحاً له ولكنه لم يراني".
صرخ الوالد في قاعة المحكمة "محمد يابا أنا هون شايفني؟؟" ولكن محمد ردّ بكلمات متلعثمة :" لا.. لا أرى سوى بعض خيال من كوفيتك الحمراء يا أبي".
جلس أبو محمد منهارا على أحد المقاعد محاولا منع دموعه من الانهمار، كيف لنجله الصغير ألا يراه وهو من كان يتمتع بقوة شبابية عالية وروح مرحة تُنسيهم آلام الأسر والفراق.
محمد الشاب الخلوق كان يستعد لزفافه قبل اعتقاله ويحاول تجهيز منزله وإتمام احتياجاته النهائية، ولكن الاحتلال كما في كل مرة يعرقل أحلام الحياة الوردية وينغّص العيش.. رسالة أطلقها والدا محمد عبر مكتب إعلام الأسرى: أعيدوا النور لولدنا، أعيدوا النور لنا.