قرابة 30 قصةً أردنيةً فلسطينية تتواجد في مدافن الأحياء، وبالتوازي مع أضعاف هذا الرقم تتواجد قلوبٌ ممزقة على الضفة الأخرى، قصصٌ تحمل عوائق الأحكام القاسية، والمسافات البعيدة، والحواجز الوهمية، وإجراءات السفر، إن تم تجاوز العائق الأول، وهو الاستجابة لمطلب ذوي الأسير في الحصول على حقٍ مفروغٍ منه، وهو حق الزيارة.
على شبابيك زنازين الاحتلال كما غنت الأغنية لم يكن هؤلاء الأسرى ليقفون ويدندنون لأمهاتهم وذويهم أغاني الشوق لو لم تتواجد تلك الحدود، لو لم يشتاقوا لبيوتهم وأمهاتهم، لو لم يضطروا في كل مرةٍ يحصل فيه أسرى في قسمهم على موعد زيارة إلى الاستدارة صوب شباك تلك الزنزانة والتفكير بأمرٍ آخر وعدم إشعارهم أن أمراً لا يفهموه حدث لقلوبهم في تلك اللحظة بالذات.
ربما تتلخص قصة أسيرٍ أحياناً بجملةٍ واحدة، واحدة فقط تغني عن ألف كلمة، تماماً كجملة قالتها شقيقة الأسير منير عبد الله مرعي(39عاماً) من الأردن متعجبة" وهل يوجد في مصطلحاتهم مسمياتٍ للأحلام والطموحات"، وجملةٌ قالتها والدة الأسير مرعي أبو سعدة (43عاماً)من الأردن" ألم تقولوا بأن الإنسان هو كل ما نملك".
مكتب إعلام الأسرى تحدث مع شقيقة الأسير منير عبد الله مرعي، إلهام مرعي، لاستذكار قصة شقيقها ومحاولاتهم الحثيثة في المحاربة لأجل الحصول على حقٍ بزيارة شقيقها.
حين غادر الأسير منير مرعي منزله قبل 20 عاماً، غادر بأحلامٍ لم يعرفها أحد، وبطموحاتٍ كثيرة، عاد ليتحسس ذاكرة عائلته في مدينة نابلس، حيث كانت أصولهم تنبت من هناك، حتى لا تتكاد شقيقته قادرة على وصفه، تقول إلهام" من الصعب أن أصف شخصية منير، لم أره منذ سنوات طويلة، منذ أنهى مرحلة الثانوية العامة، وغادر للدراسة إلى فلسطين بعمر 19 عاماً".
تعيش عائلة الأسير منير مرعي في الأردن، أشقاؤه هم من تبقوا له بعد وفاة والدته وأمه، هم من لا يزالون يطالبون بحقوقه وحريته، والد الأسير مرعي ووالدته تمكنوا من زيارته قبل سنوات طويلة، بعد محاولات طويلة للحصول على هذا الحق، وحين مرض والده حاولت العائلة الحصول على تصريح لزيارته غير أن الاحتلال رفض ذلك قطعاً، وتوفي والد الأسير منير مرعي قبل أن يراه للمرة الأخيرة.
والدة الأسير منير مرعي أيضاً لم تنتظره طويلاً، فقد توفيت هي الأخرى، وكانت وفاتها بعد شهور قليلة من زيارتها لنجلها الأسير، ولم يتح لابنها أن يودعها أو يودع أبيه الذي توفي بعد قرابة العام.
تروي إلهام مرعي واقع الألم الذي تضطر العائلة لتجرعه حين تطالب بحق الزيارة، تقول"حتى العام الماضي، علم شقيقي بأن منير تعرض للضرب والاعتداء في السجن، وأنه دخل في غيبوبة نتيجة ذلك، ولم يملك إلا أن يضرب أمام الخارجية الأردنين حتى تصدر تطالب بحق العائلة في الزيارة، وأضرب عن الطعام مدة 28 يوماً، قبل أن تستجيب له الخارجية، ويتمكن من زيارة أخي نهاية العام الماضي".
تضيع إلهام في حديثها حين تقول بعد كل هذه السنوات والمطالبة زاره من خلف الزجاج مدة ساعة، لم تكن كافية لقول أي شيء، تقول إلهام مرعي" حتى إن أردنا زيارته مرة أخرى يجب أن نعتصم ونضرب ونقوم بعمل بلبلة حتى يتم الالتفات لقضيتنا، ومن المحتمل أن لا يحدث شيء، فزيارة شقيقي الأخيرة لم تكن لتحدث لو لم نملك ورقة ضغط".
للأسير منير مرعي خمس شقيقات وست أشقاء غادرهم قبل سنوات ولم تتح لهم فرصة رؤيته حتى اليوم، لم تتح لهم حتى فرصة الوقوف معه في أحلك أيام حياته، حين تعرض للمطاردة مدة سنة كاملة، وكان يتصدر لائحة المطلوبين لدى الاحتلال.
لا تزال ذكرى اعتقال الأسير منير مرعي بتاريخ 2/4/2003، صدمة عميقة لعائلته، كانوا يعلمون بأن الاحتلال لم يترك مكاناً إلا وبحث عنه فيه، لكن الانتهاكات تلاحقت عقب اعتقاله، حين صدر حكم المؤبد لخمس مرات بحقه، وأصبحت الزيارة التي تتحقق بمثابة المعجزة.
الأسير منير مرعي تعرض لتحقيقٍ مجحف عقب اعتقاله واستمر توقيفه وتداول قضيته عامين كاملين، واتهمه الاحتلال بتشكيل خلايا عسكرية وتنفيذ عمليات نوعية ضد الاحتلال، والضلوع بقتل عدد من المستوطنيين.
تؤكد شقيقة الأسير منير مرعي على أن الاحتلال لم ينتهك حقه في الزيارة فقط، بل حرمه حق الحصول على شهادة البكالوريوس مراتٍ عدة، تقول إلهام" حاول أخي إكمال دراسته الجامعية ودرس أكثر من تخصص وفي كل مرة كان يتم حرمانه من إكمال دراسة هذا التخصص حين يصل للفصول الأخيرة، فقد درس ثلاث تخصصات مختلفة وحرم من إكمالها، حتى حصد درجة البكالوريوس في المحاولة الرابعة في تخصص التاريخ".
تشير إلهام مرعي إلى أن شقيقها تمكن أيضاً من حفظ القرآن الكريم خلال سنوات اعتقاله، وهو إنسانٌ مثقف، ويطالع كتباً في كافة المجالات.
ومن جملة الانتهاكات التي تعرض لها الأسير منير مرعي، حرمانه من حق الاستقرار في سجن واحد، تروي شقيقته" أكاد اجزم بأن منير زار كل السجون خلال ال14 سنة الماضية، وهو الآن يتواجد في سجن نفحة".
لم تستطع إلهام مرعي أن تصف شقيقها وتصقل شخصيته لكنها أكدت دون أن تشعر في حديثها أنه من النوع الذي لم يستسلم يوماً لانتهاكٍ تعرض له، فمن يستطيع أن يخوض إضراباً مدة 100 يوم للمطالبة بحقه.
الأسير منير مرعي خاض برفقة عدد من الأسرى الأرنيين عام 2013 إضراباً مفتوحاً عن الطعام للمطالبة بنقلهم للأردن وإعطائهم حقوقهم الاعتيادية، لكن لم يستجب لهم أحد، لم تنصفهم بلادهم، ولم يقبل الاحتلال بإعطائهم حقوقهم.
تتخوف إلهام مرعي أن يطول موعد مواقيت الحرية لعائلتها، أن يتكرر رفض الاحتلال لاسمه في صفقة جديدة كما حدث سابقاً، وأن تعود العائلة لتعيش صدمة الألم كل يوم.