تسقط كل مسميات الحقوق الدولية والإنسانية التي تكفل للإنسان كرامته وحياته، تماماً حين تدخل مجتمع الأسرى المرضى في الرملة، أولئك الذين يعلمون أن مستشفى الرملة، هو مسمى وضعه الاحتلال الصهيوني، ليختبئ خلفه ويلوح بديموقراطيته وعدالته، في حين يعلم الجميع بأنه لا يحمل من اسمه شيئاً، فلا وجود لأطباء مختصين هناك، ولا لعلاجٍ حقيقي، ولا يختلف سجن الرملة عن غيره من السجون الأخرى بل يفوقها سوءاً.
وحدهم الأسرى من يعطون الأسماء حقوقها، وهم من أطلقوا على مستشفى الرملة، لقب مقبرة الأحياء، فكافة الأسرى القابعين هناك يعانون أوضاعاً أقل ما يمكن وصفها بأنها قاسية، كم ويتعمد الاحتلال في مكان من البديهي أن يتم تقديم العلاج فيه، إلى ممارسة الإهمال الطبي، كنهج ثابتٍ وعقابٍ لكافة الأسرى، دون مراعاة لأي حق إنساني أو دولي.
خط الموت
ينتظر الاحتلال لكل أسيرٍ مريض أن يصل لمرحلة ما قبل الموت بوقتٍ قليل، يستمر في المماطلة في تقديم العلاج اللازم للأسير أياً كانت حالته ودرجة خطورتها، حتى يصل إلى الرمق الأخير، وينعدم الأمل في شفائه، ليضاعف الاحتلال معاناة الأسير المريض في تلك اللحظة، ويدع جسده فريسة سهلة للأمراض تفتك به كيف تشاء.
مستشفى بلا مقومات طبية حقيقية، وبلا مستلزمات وأدوية وأجهزة مساعدة وأطباء مختصين، رغم أن كل من فيه من الأسرى هم من أصحاب الأمراض الخطيرة، كأمراض القلب، والسرطان والشلل والكلى، ويحتاجون إلى عناية فائقة، وبذلك يكون من الصوب جداً، أن يطلق الأسرى على هذا المستشفى اسم مقبرة الأحياء.
إحصائية الرملة
يبلغ عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال 1200 أسيراً مريضاً، بينهم 140 يعانون من أمراضٍ تصنف في درجة الصعوبة والخطورة، ومنهم 21 أسيراً يعانون من مرض السرطان، و34 يعانون من إعاقة حركية ونفسية.
كما ويتواجد في الرملة عدد من الأسرى المصابين بأمراض القلب والفشل الكلوي والربو وأمراض أخرى، ويقيم 19 أسيراً بشكل دائم في ما يسمى بمستشفى سجن الرملة.
قصصٌ من مشفى الرملة
الأسير المريض محمد سعيد بشارات (32عاماً)من بلدة طمون، أحد الحالات المرضية الصعبة في مستشفى سجن الرملة، نقل إليه بعد أن تبين أنه يعانى من فشل كلوي حاد، واتضح أن حياته مهددة بالخطر.
الأسير بشارات كان متواجداً في البداية في سجن النقب، وقد اشتكى من أعراض مرضية كارتفاع في ضغط الدم وتقيؤ لمدة تزيد عن الشهرين، ولم تهتم إدارة السجن بنقله إلى المستشفى إلا بعد أن تدهورت صحته إلى حد الخطورة وتبين بأنه مصاب بفشل كلوي ووصلت نسبة الهيموغلوبين في الدم لديه إلى 6 فقط، وأصبح بحاجة إلى غسيل كلى مرتين في الأسبوع .
ورغم صعوبة الوضع الصحي للأسير بشارات إلا أنه تعرض لإهمال طبي مرة أخرى في المستشفى، فقد أصيب بجرثومة في الدم كادت تودي بحياته أثناء قيامه بغسيل الكلى لقلة النظافة والتعقيم.
اليوم وبسبب الإهمال الطبي ومقبرة الأحياء، يحتاج الأسير بشارات الذي كان معافى الجسد تماماً، إلى غسيل للكلى مدة 6 شهور مستمرة، ومن ثم سيحتاج لعملية زراعة كلى، ولا يعلم الأسير إن كان سيسمح له الاحتلال بإجراء هذه العملية أم سيفقد حياته جراء المضاعفات الجانبية لحالته.
وفي قائمة الأسرى المصابين بمرض السرطان، يتواجد اسم الأسير حسن أحمد دردون، ويعتبر كذلك من أخطر الحالات المرضية في مستشفى سجن الرملة، فهو يعاني من سرطان في الدماغ وحالته خطيرة جداً، وقد تم إعطاء الأسرى وعود بالإفراج المبكر عنه؛ بسبب تدهور حالته الصحية، ولكن إدارة السجون لا زالت تماطل في ذلك .
انتهاكات أخرى
الإهمال الطبي ليست هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها الأسرى في ما يسمى بمستشفى سجن الرملة؛ فهناك العديد من المشكلات والصعوبات الحياتية التي تواجه الأسرى المرضى، ومنها مشكلة الازدحام الشديد وعدم توفر أماكن لأي أسير مريض قادم بحاجة للعلاج.
القسم الذي يتواجد فيه الأسرى في الرملة صغير جداً ولا يتسع لأعداد المرضى المتزايد وعمليات التفتيش والاقتحام التي تتعرض لها غرف المرضى، إضافة إلى عدم توفر الكثير من الأجهزة التي يحتاجها الأسرى، كالكراسي المتحركة والبخاخات والعكازات وغيرها .
معاناة مضاعفة
الاحتلال لا يكتفي بانتهاكاته الصريحة بل يصل به الأمر إلى أن تقوم إدارة سجن الرملة بنقل الأسرى المرضى المحتاجين للعلاج والمتابعة إلى السجون، أو تقوم بتحويل الأسرى المرضى لمشافي خارجية لأجل إجراء فحوصات أو تصوير أشعة.
وفي الوقت الذي يجب أن يتم إعادتهم إلى المستشفى لاستكمال علاجهم مرة أخرى تقوم بنقلهم للسجون مباشرة، كما جرى مع الأسير متوكل رضوان، والذي جرى نقله إلى سجن مجدو، ولم تعيده الإدارة لما يسمى بمستشفى سجن الرملة بعد تحويله لمستشفى خارجي لعمل فحوصات دون استكمال علاجه، وهو الأسير المصاب بانسداد في شرايين القلب، وعدم استكماله للعلاج سيهدد حياته بشكل حقيقي.
إدارة سجن الرملة تدعي بأن هذه السياسة تهدف لإفراغ الغرف في الرملة، لاستيعاب أسرى مرضى جدد، وذلك للالتفاف على مطالب الأسرى بفتح قسم جديد كبير يستوعب عدد أكبر من الأسرى المرضى والذين تتزايد أعدادهم، وهو المطلب الذي وضعه أسرى إضراب الكرامة على قائمة أجندتهم ولم يتحقق.
وللأهداف ذاتها تلمّح الإدارة إلى نقل الأسرى المساعدين للمرضى للسجون، وبذلك ستزيد من الظروف الحياتية الصعبة للأسرى المرضى، وستزداد مشقتهم، حيث لا يستطيع الأسرى المرضى والمصابين بالشلل والأمراض المستعصية على وجه التحديد، تدبير أمورهم اليومية دون مساعدة.
مكتب إعلام الأسرى يطالب المجتمع الدولي، ومؤسساته المعنية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود، بالخروج عن حالة الصمت فيما يخص سياسة الاحتلال التي تهدف لقتل الأسرى بعدم تقديم العلاج المناسب لهم، والاستهتار بحياتهم، والعمل سريعاً من أجل الضغط على الاحتلال لتقديم العلاج اللازم للأسرى قبل انعدام الأمل في شفائهم.