الأسير معاذ أبو تيم.. أحد عشر عامًا من الانتظار والوجع

في غزة، لا يزال الجرح نازفًا؛ عائلاتٌ تئنّ تحت وطأة الشوق والجراح وآلام النزوح وفقد الشهداء.

لا يزال غبار القصف معلّقًا في الأجواء، ورائحة الموت تسيطر على المكان

في الخيام، عائلاتٌ تعدّ صفحات الغياب والفقد، وقلوبٌ أرهقتها الحرب وحطّم الصبر صبرها، لكنها لم تيأس من لقاءٍ قريبٍ وحريةٍ منتظرة لأسيرٍ غيّبته سنوات الاعتقال، وبُعد التواصل، وانقطاع الأخبار ، حتى الزيارات أصبحت حلمًا صعب المنال.

الأسير معاذ محمد أبو تيم (31 عامًا) من منطقة بني سهيلا في خانيونس، اعتقله الاحتلال خلال حرب عام 2014، وحُكم بالسجن 13 عامًا ونصف العام.

قضى منها حتى اليوم 11 عامًا وثلاثة أشهر، تعدّها عائلته باليوم والساعة والدقيقة.

تقول العائلة: "انقطعت أخبار معاذ تمامًا منذ أكتوبر 2023، ولا نعلم عنه شيئًا إلا ما ينقله لنا أسرى محررون من قسمه وسجنه. معاذ لا يعرف عنا شيئًا أيضًا، إلا عبر محامين يزورون أسرى آخرين في قسمه. تعرّض للتعذيب خلال اعتقاله في ظل حرب الإبادة على غزة، فقط بهدف الانتقام من شخصه وانتمائه لبلده التي يحب".

معاذ  كغيره من أسرى غزة  يُمنع من زيارة الأهل أو المحامين، حتى تنقّلاته بين السجون تصل بصعوبة.

آخر ما عرفته العائلة عنه أنه نُقل من سجن نفحة (قسم 12) إلى سجن النقب، دون معرفة القسم الحالي الذي يُحتجز فيه.

تكابد العائلة الوقت والجهد لإرسال محامٍ يخبره بأخبارهم، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل.

ورغم ذلك، لم تستسلم، ولا تزال تسعى في معركة الحجوزات القانونية. قبل عشرة أشهر، أبلغهم أحد الأسرى المحررين أن معاذ أُصيب بمرض "السكابيوس" المنتشر بين الأسرى، لكنه ما زال يقاوم ويحافظ على صحته أملاً بلقاء قريب.

معاذ لم يسمح للسجن أن يهزمه، فأنهى دراستين جامعيتين في الخدمة الاجتماعية والعلاقات العامة، ثم أكمل ماجستير التربية في "أصول التربية والحضارة"، ولم يُنهِ بحثه بسبب الحرب.

كما أنهى السند المتصل في القرآن الكريم، وسرد القرآن كاملاً في أغسطس 2025 خلال تسع ساعات متواصلة، رغم ظروف الاعتقال والحرمان والتجويع.

في المقابل، فقد معاذ شقيقه الأصغر الشهيد معتز خلال الحرب، وقُصف بيته وأُصيب عدد من أفراد عائلته.

رحل جدّه الذي كان ينتظر حريته وقال في وصيته الأخيرة: "أرسلوا سلامي لمعاذ."

وفقد أيضًا ثلاثة شهداء من أبناء عمومته. كان شقيقه الشهيد معتز يخطط ليوم حرية معاذ، ليكون الأبيض لون احتفاله، وليظهر بين أحبابه كالعيد.

بقي لمعاذ والده ووالدته، وشقيق واحد وثلاث شقيقات ينتظرونه بفارغ الصبر.

استشهد شقيقه الأصغر خلال الحرب، وجُرح الأكبر، واستشهد زوج شقيقته وصديقه المقرّب أيضًا.

تقول شقيقته في رسالة مؤثرة: "لم يكن معاذ مجرّد أخ، بل كان لنا أبًا وصديقًا وملجأً جمع بين القوة واللين، بين العقل والحب ، يحمل في قلبه رحمةً للجميع وفي روحه طيبةً تسبق ابتسامته".

ذكيٌّ بالفطرة، شغوف بالاكتشاف، استطاع أن يولّد الكهرباء من خط الهاتف، ويصلح الأجهزة رغم عدم خبرته.

خجولٌ بطبعه، صوته نديّ كالماء على الحجارة، يقرأ القرآن فيلامس القلوب، يحب راحة الآخرين قبل نفسه، يشعر بوجعنا قبل أن يُقال له.

حتى في أسره، ظلّ قويًّا طموحًا، يشاركنا الفرح والألم، يبعث إلينا بهداياه الصغيرة التي تحمل روحه الكبيرة."

وتضيف: "في السجن، أحبّه الأسرى جميعًا، ومن يخرج لا يتحدث عنه إلا بفخر قائلًا: أنتم ربّيتم رجلًا.

هو قصة صبرٍ تُروى، ورمزُ قوةٍ يُحتذى به. أنا أفتخر به وأشتاق إليه شوقًا لا يوصف، وأؤمن أن الفرح سيكتمل يوم يعود إلينا حرًّا كما عهدناه".

وتوضح العائلة أنها تتابع أخبار الصفقات بقلوبٍ مرتجفة: "منذ 11 عامًا ونحن نعيش على أملٍ لا يخبو، نترقب لحظة الحرية التي تعيد لأرواحنا ما فقدناه. حين انتشرت أخبار الصفقة الأخيرة، تجدد الأمل فينا، لعل اللقاء قريب، لكن اسمه لم يُدرج في القوائم".

عاد الجرح ينزف من جديد، ومع ذلك نؤمن أن للحرية موعدًا وإن تأخر، فسيأتي

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020