الأسير الشيخ رزق الرجوب: أسير ستيني أمضى 30 عاماً مجتمعة في الاعتقال يفقد اليوم ذاكرته في عزل جانوت
تقرير/ إعلام الأسرى

30 عاماً مجتمعة ليست رقماً، ليست سنوات فقط، بل أيام أكلت عمر عائلة تحاول فقط أن تمارس حياتها الطبيعية كحق إنساني بحت. 30 عاماً هي حكاية لم تنتهِ بعد، بل تستمر وتحمل معها حكايات أخرى لعائلة ممتدة تذوق ويلات العذاب، عائلة تقف الآن خلفها امرأة كالجبل، تعيلها ريثما ينال زوجها وابناها حريتهم، حتى تعرف – على أقل تقدير – أخباراً تربط على قلبها وتمحو شيئاً من قلق يسيطر على مخيلتها.

مكتب إعلام الأسرى يواصل عرض تقارير عن أسرى يخضعون لعزل انفرادي في ظل أوضاع صحية سيئة وتهديدات مستمرة بالضرب والقتل والشبح وكافة صنوف عذابات السجن. وفي إطار إسناده التوثيقي والإنساني المستمر لعرض قصص الأسرى أصحاب المحكوميات العالية يسلط المكتب الضوء على الأسرى الإداريين أصحاب ملفات العزل والملفات الصحية الصعبة وعلى رأسهم اليوم الأسير الشيخ رزق عبد الله مسلم الرجوب (65 عاماً) من سكان بلدة دورا، قضاء مدينة الخليل.

يتحدث مكتب إعلام الأسرى مع زوجة الأسير الرجوب التي تعاني من حالة نفسية سيئة جراء ما وصلها من أخبار هدت قلبها، تفيد بتعرض زوجها لفقدان الذاكرة في سجون الاحتلال، دون معرفة تفاصيل أخرى عن أوضاعه الصحية التي تصفها بالسيئة جداً. وما يفاقم عذاباتها وجود ابنيها محمد وأحمد رهن الاعتقال الإداري كذلك.

يشكل ملف الاعتقال الإداري شبحاً وحرباً تطارد عائلة الأسير رزق الرجوب. واليوم يُضاف إلى هذه الحقيقة وجود وضع صحي مبهم للأسير الشيخ رزق، تقول زوجته: "أخبرني المحامي بعد زيارته، متردداً من ردة فعلي، أن زوجي لم يتعرف عليه في الزيارة، وقال لي بالحرف الواحد: زوجك سألني إن كنت أعرف اسمه، وحين أخبرته بأن زوجتك أم محمد بعثتني لزيارتك، قال لي: من هي أم محمد؟ ومن أنا؟ وأين أنا الآن؟ في إشارة واضحة لفقدانه الذاكرة وعدم معرفته ما يجري من حوله".

المحامي أكد لزوجة الأسير الرجوب أنه لاحظ وجود ضربة على رأسه من الجهة اليسرى ووجود تورم في عينه. وتتساءل زوجته عن حجم ما تعرض له من ضرب حتى وصل إلى هذه الحال، في الوقت الذي تتعثر فيه زيارته، فهو أسير فوق كل هذا الألم يواجه عزلاً انفرادياً في سجن جانوت، ولا تعرف عنه عائلته شيئاً منذ اعتقاله بتاريخ 12/6/2023، سوى ما علمته من محاميه في هذه الزيارة.

الأسير رزق الرجوب يدخل سنته الحادية والثلاثين في الاعتقال، أي أنه أمضى 30 سنة أسيراً على مدار 13 اعتقالاً، منها اعتقال استمر لثماني سنوات متواصلة، عانى فيها من ملفات طبية عديدة، وهو بحاجة لنظام صحي متوازن يتناسب مع عمره. تقول زوجته: "يعاني زوجي من مرض البهاق، وهذا المرض يحتاج لدرجة حرارة متوازنة، لا باردة ولا دافئة، ولا يجب أن يتعرض للرطوبة، وهو ما لا يتوفر في عزل زوجي".

الأسير الرجوب يعاني كذلك من أمراض في معدته، ومن حساسية لأنواع من الأطعمة، ويحتاج لأدوية كثيرة لأجل هذا الجانب فقط. كما أنه وقبل اعتقاله خضع لعملية إزالة المرارة، وسنه الكبير يجعله عرضة لأمراض أخرى كثيرة تتخوف العائلة منها، وتتخوف من أوضاعه الإنسانية وما حصل معه حتى أدى به لفقدان الذاكرة. في حين تؤكد زوجته بصوتها المتعب الذي يحاول احتضان الصبر: "زوجي يحفظ القرآن، إنسان بذاكرة وذهن صافي، ماذا حدث له حتى يفقد الذاكرة؟ ما هي الأمور السيئة التي مر بها؟ ماذا عليّ أن أفعل ولديّ ابنان آخران في سجون الاحتلال؟ أخاف أن تصل أخبار والدهم إليهم ويصابوا بالجنون".

الأسير رزق الرجوب تعرفه كل سجون الاحتلال جيداً. في اعتقاله الحالي جرى نقله إلى عتصيون، وعقب يوم واحد فقط تم تبليغه بتحويله إلى ملف الاعتقال الإداري، وهي سياسة ينتهجها الاحتلال في أعقاب السابع من أكتوبر، تهدف لإعادة اعتقال الأسرى المحررين ووضعهم قيد الاعتقال الإداري كأسلوب اعتقال عشوائي لتغييبهم عن مجتمعاتهم القروية وعن نشاطهم ودعمهم لقضايا وطنهم، وكأسلوب احترازي من الاحتلال تجاه ما يمكن أن يفعلوه مما يراه "أعمالاً إرهابية".

تعرض الأسير الرجوب لنقله إلى عزل مجدو قبل أن يتم نقله إلى عزل جانوت حيث يتواجد الآن. واليوم يواجه ملف اعتقال إداري متجدد يبدو أنه بلا سقف، في حين يعتقل الاحتلال ابنيه أحمد (35 عاماً) ومحمد (19 عاماً)، وكلاهما يواجه ملف الاعتقال الإداري كذلك. فقد جُدد الاعتقال الإداري لأحمد مرات عدة منذ اعتقاله بتاريخ 8/11/2023 وهو يتواجد في سجن ريمون، وهذا ليس اعتقاله الأول فقد تعرض لاعتقالات سابقة وأمضى في سجون الاحتلال 6 سنوات سابقة، علاوة على هذا الاعتقال الحالي، وهو متزوج وأب لأربعة أطفال. أما محمد فقد خضع لأوامر إدارية متعاقبة منذ اعتقاله بتاريخ 16/12/2024، وهو متواجد في سجن عوفر.

تؤكد والدة الأسيرين محمد وأحمد الرجوب أن وضع الزيارة صعب للغاية، يكاد أن يكون مستحيلاً، وأخبارها عنهما شحيحة، والآن أخبار زوجها تزيد الوضع سوءاً. أربعة شهور في عزل مجدو لزوجها لم تعلم عنها شيئاً، واليوم في ظل الأوضاع السيئة في عزل جانوت تخشى أن يحدث له ما هو أخطر.

اعتداءات الاحتلال على عائلة الأسير رزق الرجوب لم تقتصر على ذلك؛ فقد تعرض منزل العائلة لاقتحامات متكررة، وصادر الاحتلال سيارتين بترخيص قانوني من العائلة، كما صادر مبالغ مالية، وفي أحد الاقتحامات صادر حصالة أطفال بما فيها من مبلغ 300 شيقل لطفل، دون مراعاة لأي بند من بنود الإنسانية. وحُرم الأسير رزق الرجوب من حضور عدد لا يُحصى من مناسبات عائلته نتيجة الاعتقالات المتكررة واليوم يذهب مصيره نحو المجهول.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020