الأسيرات الفلسطينيات: سِجِلٌّ من الألم يُنقَشُ على جدارِ الزمن

في السابع من أكتوبر 2023، لم تكن الأرقامُ مجردَ أرقام، كانت 490 امرأةً تُمسحُ أسماؤهنَّ بدمعِ الوطن، ويُختَزَلُ مصيرُهنَّ بين قضبانِ السجونِ ودهاليزِ التحقيق. بناتٌ قاصراتٌ تحملنَ هويةَ "الأسيرة" قبل أن يعرفنَ معنى الحياة، وأمهاتٌ يُنتَزَعنَ من أحضانِ أطفالٍ لا يزالونَ يبحثونَ عن دفءِ حضنٍ في ليالي الخوف، وأسيرةٌ غزية تحملُ في صمودِها جراحَ مدينتها المُحاصَرة. وبينَ القضبان ، تُصارعُ أسيرةٌ أخرى المرض بجسدٍ منهك.  

من بينهنَّ، 21 أسيرةً ما زلنَ يُصارعنَ الظلامَ خلفَ القضبان،   و71 أسيرةً عُدنَ من ظلامِ السجونِ ضمنَ "صفقة طوفان الأحرار"، لكنهنَّ حملنَ معهنَّ ذكرياتِ أقبيةٍ لا تُغسَلُ بالدمع.  

وحتى اللحظة، ترفضُ آلةُ القمعِ الإسرائيليةُ إدراجَ أسيراتٍ اعتُقلنَ قبلَ السابع من أكتوبر في صفقاتِ التبادل، وكأنها تُريدُ إطالةَ عمرِ الجرحِ ليُصبحَ شاهدا على وحشيةٍ لا تنتهي.  

 

تصاعد غير مسبوق بحق الأسيرات في سجون الاحتلال  

تشهد سجون الاحتلال الإسرائيلي تصاعداً لافتاً في وتيرة اقتحام زنازين الأسيرات الفلسطينيات، خاصة بعد سبتمبر/أيلول 2024، حيث حوّلت إدارة السجون كافة تفاصيل الحياة اليومية للأسيرات إلى أدوات تعذيبٍ ممنهج، وفقاً لتقارير حقوقية.    

في أكتوبر/تشرين الأول 2024، شهد سجن "هشارون" – المُستخدم كمحطة انتقالية قبل نقل الأسيرات إلى سجن "الدامون" – عمليات اقتحامٍ عنيفة من قبل وحدات قمعية (اليماز)، رداً على احتجاجات الأسيرات ضد سياسة العزل الانفرادي  

ورغم إدانة منظمات دولية لهذه الانتهاكات، ووصفها بأنها "خرقٌ فاضح للقانون الدولي"، لا تزال آلة القمع الإسرائيلية تواصل انتهاكاتها، وسط غياب آليات دولية فعّالة لحمایة الأسيرات، خاصةً مع استمرار احتجاز 21 أسيرة، بينهن أطفال وأمهات ومريضات.    

هذه الانتهاكات ليست سوى فصلٌ آخر من سجلّ الاحتلال الأسود، الذي يحوّل حتى جدران السجون إلى أدواتٍ لاستهداف كرامة الفلسطينيين، بينما تُواصل الأسيرات كتابة ملحمة صمودٍ تفضح وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية.  

 

شهاداتٌ توثق فظائع قاسية وممنهجة

كشفت شهاداتُ أسيراتٍ فلسطينياتٍ أُفرج عنهن مؤخراً عن انتهاكاتٍ خطيرةٍ تعرضن لها خلال فترة اعتقالهن في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تتراوح بين التعذيب الجسدي والنفسي، والإهمال الطبي المتعمد، وظروف احتجازٍ لا إنسانية.    

تقول الأسيرة المحررة غادة خروب والتي اعتقلت في نهاية ديسمبر عام 2023 من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة في شهادتها: " بعد التدقيق بهويتي تم تفتيشي بشكل كامل، ثم سؤالي عن يوم 7 أكتوبر، وإن كنت فرحت بذلك اليوم، قامت إحدى المجندات بتعصيب عيني وربط يداي  بمربط بلاستيكي إلى الأمام، ووضعني داخل جيب عسكري برفقة ست معتقلات وقاموا بنقلنا إلى منطقة زيكيم، وأثناء الطريق كانوا يضربونا على رؤوسنا وأيدينا وكانوا يشتمونا بألفاظ سيئة، حتى وصلنا لموقع بجوار معتقل عانتوت بالقرب من جبال القدس، وهناك تعرضت لنوبة سكر وفقدت الوعي، فلم يأبه أحد الجنود بأني مريضة سكر".  

تواصل خروب حديثها :"  إن الأسيرات كنّ يتناولن الطعام وهن مربوطات الأيدي بمرابط بلاستيكية، حيث يحاولن مساعدة بعضهن وقت الأكل"  

بدورها، توضح الأسيرة المحررة ضمن المرحلة الأولى في صفقة طوفان الأحرار رشا حجاوي من ضاحية شويكة بطولكرم  : " كنا نمكث في قبر وليس سجنًا" ، وأن إدارة الاحتلال قامت بسحل الأسيرات وسرقة ممتلكاتهن، وتعرضن لعدة وعكات صحية، إضافة إلى وجود طعام قليل وفاسد ، واصفة السجن بأنه قبر مضوي، كما كشفت عن تعرض الأسيرات للقمع باستخدام الأسلحة والكلاب، والتفتيش العاري.  

ومن جانبها تقول الأسيرة المُحرَّرة رغد الفني من مدينة طولكرم، والتي اعتقلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2022 عند حاجز "طيارة" بين مدينتي طولكرم ورام الله: "قضيتُ 13 شهراً في سجن الدامون (شمال فلسطين المحتلة) دون تهمةٍ محددة، تحت ذريعة الاعتقال الإداري الذي تُجدده السلطات الإسرائيلية بشكل تعسفي. بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تصاعدت الانتهاكات بشكل غير مسبوق؛ فالتعذيب والعزل والضرب المبرح أصبحت سياسةً يومية. في القسم الذي كنتُ فيه، تعرضنا لرشّ الغاز، وضُربت العديد من الأسيرات، بينما أُودعت أخريات في زنازين انفرادية".    


انتهاكات مستمرة وصمت دولي

أكدت مؤسسات مختصة بشؤون الأسرى، إن الاحتلال ينفذ انتهاكات خطيرة بحق الأسيرات الفلسطينيات داخل سجن الدامون.

وذكرت مؤسسات الأسرى أن سجاني الاحتلال يفتشون الأسيرات بشكل عاري، ويأخذوهن إلى قسم العزل دون حجاب في غرف مراقبة بالكاميرات على مدار الساعة.

‏وأضافت المؤسسات أن وجبات الطعام القليلة التي يقدمها الاحتلال للأسيرات في سجن الدامون جزء منها فاسد.

وأكد الباحث رياض الأشقر، مدير مركز فلسطين لدراسات الأسرى :" إن الأسيرات يُحرمن من كل مقومات الحياة البسيطة، ويمعن الاحتلال في التنكيل بهن، ويتعمد إجراء تنقلات مستمرة بين الغرف في سجن "الدامون"، حيث تتوزع الأسيرات على أربع غرف، ويتم نقلهن بشكل أسبوعي بهدف إزعاجهن وإحداث عدم استقرار في حياتهن داخل المعتقل.

وأشار إلى أن الاحتلال لا يقدم للأسيرات سوى القليل من الطعام، الذي لا يكفي حاجتهن، خصوصًا في شهر رمضان المبارك، على وجبتي الإفطار والسحور، كما يحرم الاحتلال الأسيرات من الماء الساخن في فصل الشتاء، إضافة إلى منعهن من الزيارة وإدخال الملابس.  

وأكد مكتب إعلام الأسرى أن إدارة سجون الاحتلال تواصل انتهاكاتها بحق الأسيرات خلال شهر رمضان، حيث تمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية وتفرض قيودًا صارمة على الصلاة الجماعية وقراءة القرآن، ما يزيد من معاناتهم في هذا الشهر المبارك.

وأوضح مدير المكتب أحمد القدرة،

إلى أن الانتهاكات اشتدت بعد 7 أكتوبر، حيث تصاعد التحريض الإسرائيلي ضد الأسرى والأسيرات ، فيما تواصل سلطات الاحتلال منع الكشف عن أعداد وأسماء معتقلي غزة، ما جعل الآلاف منهم في عداد المختفين قسراً.

ودعا القدرة المؤسسات الحقوقية إلى التحرك العاجل لوقف هذه الجرائم والانتهاكات المستمرة.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020