سفراء الحرية باتوا خيوط أمل تشد الأسير من عتمة السجن إلى خارج أسواره وزنازينه، ليرتحل بذهنه إلى عالم مليء بالفرح والضحكات والأمنيات.
بوجوههم الصغيرة وابتساماتهم البريئة باتوا سلاحا لا يمكن هزيمته أمام أعتى الجنود، يخرجون من بين قرارات القهر والحرمان ليشكلوا بذلك سدا منيعا يحرسون الحلم الفلسطيني والبقاء والهوية.
الأسير خالد أبو حمد من مدينة نابلس، اعتقل في الخامس والعشرين من تشرين الأول عام ٢٠٠٣ بتهمة مقاومة الاحتلال البغيض وهو في عمر ٢٨ عاما، وبعد أشهر من الاعتقال والتحقيق القاسي تم الحكم عليه بالسجن المؤبد ثلاث مرات و٤٠ عاما.
حاولت قوات الاحتلال اغتياله من خلال تفخيخ إحدى السيارات التي كان يتنقل بها، وقد استشهد في هذه العملية أحد رفاق دربه وأصيب الأسير بعدها ما أدى إلى بتر أصبعين من اليد اليسرى، كما أصيب جراء الشظايا ونقل إلى مستشفى بمدينة نابلس، وخلال مكوثه في غرفة العناية المكثفة قامت القوات الخاصة الصهيونية باختطافه ونقله إلى المستشفيات الصهيونية، وبعد استقرار حالته تم اعتقاله بتهمة انتمائه "لتنظيم عسكري" والمساعدة الفعالة في صفوفه عام ١٩٨٩.
يعاني الأسير أبو حمد من مشاكل في ساقه ورأسه وبتر في أصابعه جراء إصابته قبل الاعتقال، إضافة إلى ارتفاع في ضغط الدم.
اليوم يبلغ خالد من العمر ٤٨ عاما، تحيط به أسوار السجن وتحاول كتم أنفاسه كما آلاف الأسرى الذين يهاجمهم السجان بقمعه وجبروته ويحاول كسر عزائمهم.
قرارات جادة اتخذها الأسير في حياته، منها الزواج بزوجة أخيه المتوفى عام ٢٠٢٠، رغم أنه متزوج وأب لثلاثة أبناء، ففي العام الماضي طرح على زوجة أخيه فكرة الزواج منها، ورغم صعوبة الموقف إلا أنه أصر على انتشال أطفال أخيه الستة من اليُتم الذي كتب عليهم، فأصبح الأب الحاني لهم.
تقول زوجته أم فادي لـ مكتب إعلام الأسرى إن القرار كان صعبا للغاية، خاصة أنها فقدت زوجها والد أبنائها الستة، وأن الأمر غير عادي بالنسبة لأهالي مدينة نابلس، ولكنها قررت الموافقة على الزواج من شقيق زوجها رغم أنه متزوج ويقبع في الأسر منذ عشرين عاما ومحكوم بالسجن المؤبد.
وتوضح أن هذا الزواج فيه جبر للخواطر، ليكون ارتباطهما حلقة أمل جديدة في حياتهما معاً، وبناء سقف من عطف وحنان على الأطفال الستة الذين فقدوا والدهم.
ولتقوية هذا الرباط أكثر، قرر الأسير خوض تجربة النطف المحررة، وبعد عدة أشهر من المحاولات حملت أم فادي بطفلة من صلب خالد لتكون أنفاسه الحية خارج الأسر.
ولدت "ألين" قبل عدة أيام وملأت فرحة خالد كل السجون حين سمع بكاءها وصوتها الطفولي الذي انتظره كثيرا، وجبر بها كسر الحرمان والفراق الذي يفرضه الاحتلال عليه.
وتضيف الزوجة:" كنت مترددة في البداية، ولكنني اقتنعت بذلك ليعطى خالد فرصة أن يكون له طفل في هذه الدنيا يخفف عنه عذابات الأسر، والحمد لله أن جاءت ألين وكانت نورنا الذي نستقي منه الصبر والأمل".
أما الأطفال الستة الذين فقدوا والدهم فيرون في "ألين" حياة مفعمة بالأمل والحب، يلاعبونها ويستمعون لصوتها كأنه لحن شذي.
أم فادي تشجع زوجات الأسرى على خوض هذه التجربة، وترى أنها نافذة أمل فتحها الله للأسرى كي يجبر كسرهم ويواسي وحدتهم ويؤازر أرواحهم في وحشة الظلم وألم الفراق.
وتتابع:" نحن من واجبنا أن نرفع معنويات الأسرى وأن نواصل طريقنا في انتظار الإفراج عنهم، من واجبنا أن نكون خير عون لهم، وأطفال النطف المحررة هم خير دليل على هذا العون".
وتعود حكاية سفراء الحرية كما يحلو للفلسطينيين تسميتهم؛ إلى عام ٢٠١٢ حين ولد أول طفل من النطف المحررة، وتجاوزت أعدادهم الآن ٧٠ طفلا يكسرون قيد السجان وتجبره ومحاولة وقف عجلة الحياة لآلاف الأسرى.