حين يُذكر اسم القيادي في حركة حماس رأفت ناصيف من مدينة طولكرم تقفز إلى الذهن فوراً مفردات الاعتقال والسجن، فمنذ سنوات طويلة وهو يتعرض لهذا القهر دون تهمة ولا محاكمة.
لا يكاد الأسير يمضي بضعة أشهر كاملة حتى يعاد اعتقاله من جديد، وفي بعض الأحيان لا يكمل شهرا واحدا في منزله، ليعود سيف الاعتقال الإداري للتسلط عليه ما يحرمه من مناسبات عائلية عدة.
وربما من أكثر القصص حزنا وإيلاما في حياة هذا القيادي الذي وهب عمره لخدمة وطنه ودينه وأبناء شعبه، هو أن ابنة شقيقه أصابها المرض وتعبت كثيرا، وكان خلال اعتقاله الحالي يدعو لها بالشفاء طيلة الوقت، وبسبب عزله وحرمانه من التواصل مع عائلته، لم يعرف لشهر كامل أنها انتقلت لجوار ربها، وبقي يدعو لها على أمل أن تتعافى، ثم وصله الخبر وكان كالصاعقة عليه.
حبال السجن كان لها وقعها على عائلته بشكل أكبر، فزوجته وأطفاله لم ينعموا بمناسبة واحدة معه إلا وشابها الاعتقال أو أتبعها بأيام قليلة، وهذا حال الأسرى الإداريين الذين يعتبرون هذا الاعتقال أقسى من السجن المؤبد!
حكاية الاعتقال الطويلة
في الثامن من يونيو/حزيران من العام الماضي اقتحمت قوات الاحتلال منزل ناصيف في مدينة طولكرم واعتقلته، ثم تم فورا تحويله للاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد دون تهمة ولا محاكمة، وبالفعل تم تجديدها لستة أشهر أخرى بعد انتهائها.
تقول زوجته لـ مكتب إعلام الأسرى إن كل أيام العائلة باتت تتحول لحسابات تواريخ الاعتقال وبداية وانتهاء التجديد الإداري له على أمل الإفراج عنه بعد كل تجديد، ولكن الاحتلال لا يمنحهم هذه الفرحة بسهولة، بل يحاول تغييبه قدر الإمكان في السجون.
وتوضح أن العزل الانفرادي هو ما يقلقهم حاليا، حيث يقبع فيه منذ أربعة أشهر تقريبا دون أي سبب واضح، مبينة أن الاحتلال يسعى لتغييبه حتى عن الأسرى داخل السجن.
العائلة طيلة هذا العام من الاعتقال لم تتمكن من زيارته إلا مرتين، مرة في سجن النقب والثانية في سجن مجدو، وحين طالب بالتواصل والاتصال مع عائلته تم عزله في الزنازين الانفرادية لمجرد مطالبته بأبسط حقوقه.
اعتقال ناصيف الأخير جاء بعد ستة أشهر فقط من الإفراج عنه عقب اعتقال إداري استمر لعامين.
تضيف الزوجة:" حياتنا مرهونة بمزاج مخابرات الاحتلال، فالقصد تغييبه كونه مؤثر وفاعل في الساحة الفلسطينية، وأصبحت كل أيامنا تدور حول السجن والاعتقالات".
القيادي الذي يبلغ من العمر 58 عاما يشهد له من عايشه في السجن بالتعامل الرائع مع إخوانه الأسرى وعمق التفكير والإيثار، تلك صفات لا يريدها المحتل أن تنتشر بين الفلسطينيين ولا أن يكون صاحبها خارج السجن.
أكثر من 20 عاما أمضاها ناصيف في سجون الاحتلال مجتمعة، وهو قيادي بارز وقائد وطني يعرفه جيدا أبناء طولكرم بأخلاقه الرفيعة وروحه الوطنية وجرأته في قول الحق مهما بلغ الثمن، متزوج وله ثلاثة أطفال أكبرهم طفلته التي لم تتجاوز تسع سنوات.
وبالطبع ترك الأسر أثرا في جسد الأسير، فالأمراض المختلفة داهمته جراء الاعتقال المستمر والزنازين القذرة والإهمال الطبي المتعمد، فأصابه السجن بالشقيقة والقرحة في المعدة وغيرها من الأمراض التي تظهر أثر السنوات العشرين على جسده.
سياسة الاستنزاف بالاعتقال الإداري تطال قرابة ألف أسير، يعانون الأمرّين وتنهش أجسادهم وأعمارهم سنوات الاعتقال المتقطع دون أي مسوغ قانوني، فيبيت الأسير الإداري كل ليلة وهو يفكر في الملف السري الذي لأجله اعتقل، ولا يجد إجابة أبدا.