آلاف الفلسطينيين ما تزال أعمارهم عالقة بين أنياب القهر في زنازين العتمة، يتلمسون نورا في آخر النفق المظلم ويتشربون تمتّع السجان في تعذيبهم بوسائل عدة.
وفي يوم الأسير الفلسطيني تتراكم الآهات بحثا عن خيط أمل رفيع ينتشلهم من هذه العذابات ويزيح عنهم ألم القيد المثقل بالمرض تارة وبالتعذيب تارة أخرى أو بالعقوبات والحرمان مرات كثيرة.
4900 أسير فلسطيني يتوزعون على مقابض الجمر في مختلف أرجاء فلسطين من جبالها في الشمال إلى صحرائها في الجنوب، تتقلب بهم 23 من السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف والتحقيق.
يشكل أسرى الضفة المحتلة السواد الأعظم من المعتقلين، إلى جانب 192 أسيرا من قطاع غزة و520 أسيرا من القدس و105 أسرى من الأراضي المحتلة عام 1948 و17 أسيرا يحملون الجنسية الأردنية.
محاكم الاحتلال تلعب دورها الخبيث في إبقاء الأسرى رهن دوائرها المقيتة بملفات وتهم ملفقة، فأصبح عدد الأسرى المحكومين بلوائح اتهام بغيضة 2350 أسيرا منهم 553 محكومون بالسجن المؤبد، بينما يقبع 1016 أسير رهن الاعتقال الإداري دون تهمة ولا محاكمة، وما زال 1450 أسير موقوفين بانتظار قرارات جائرة.
الأسيرات في السجون الظالمة حكاية ألم لم تنته بعد، 31 امرأة وفتاة يقبعن في عتمة الأسر منهم 14 محكومات بشكل فعلي بأحكام مختلفة وأقدمهن الأسيرة ميسون الجبالي المعتقلة منذ يونيو عام 2015 ومحكومة بالسجن لمدة 15 عاما، أما أعلاهن حكما فهي الأسيرة شروق دويات المحكومة بالسجن لمدة 16 عاما والمعتقلة منذ عام 2015.
ومن بين الأسيرات اثنتين تقبعان في الاعتقال الإداري، وأسيرة ما زالت طفولتها تداعب نسائم الحرية المأمولة.
وبالحديث عن الأطفال المحرومين من حقهم الأبسط وهو الحرية، فهناك 170 طفلا أسيرا لم تتجاوز أعمارهم 18 عاما، منهم 120 محكومون لفترات مختلفة والبقية موقوفون بانتظار المحاكمة، وخمسة أطفال يخضعون للاعتقال الإداري.
من بين الأسرى كذلك أربعة نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني منهم نائب واحد يخضع للاعتقال الإداري، واثنان محكومان بأحكام مرتفعة، ومن بينهم أيضا 47 أسيرا من محرري صفقة وفاء الأحرار أعاد الاحتلال اختطافهم مرة أخرى عام 2014 أي بعد تحررهم بأقل من ثلاث سنوات، كما يقبع في الأسر 14 صحفيا.
وبين يوم وآخر يطرق ملف الأسرى المرضى جدران الصمت المقيت، فيعاني 650 أسيرا صنوف العذاب بين مرض وقيد وإهمال طبي متعمد، منهم 140 يعانون من أمراض مصنفة بالخطيرة و 19 أسيرا يعانون من أورام سرطانية و22 أسيرا يعانون من إعاقة حركية ونفسية وأربعة أسرى مصابون بشلل نصفي ويتنقلون على مقاعد متحركة، بينما هناك 14 أسيرا مقيمون بشكل دائم فيما يسمى مستشفى الرملة سيء الذكر، وهم أصحاب أمراض خطيرة أو إصابات بالغة.
وفي ضوء كل هذه الظروف القاسية، يبلغ عدد عمداء الأسرى 398 أسيرا أمضوا أكثر من 20 عاما في السجون الصهيونية، بينهم 19 أسيرا تجاوزوا 30 عاما في الأسر وأقدمهم الأسير محمد الطوس من الخليل، و23 أسيرا من القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو بين السلطة والاحتلال عام 1993، حيث رفض الأخير إطلاق سراحهم في الدفعة الرابعة من صفقة "إحياء المفاوضات" عام 2013 وما زال يماطل في ذلك.
11 أسيرًا من المحررين في صفقة وفاء الأحرار أعاد الاحتلال اعتقالهم هم من قدامى الأسرى الذين اعتقلوا منذ ما قبل (أوسلو) وحرروا عام 2011 وأعيد اعتقالهم عام 2014، أبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، والذي دخل عامه 43 في سجون الاحتلال، قضى منها 34 عاماً بشكل متواصل.
وعلى طريق الحرية قدم الأسرى تضحياتهم الغالية التي كانت بأغلى ما يملكون، بأرواحهم العتية النقية التي كانت وما زالت تنير درب البقية ممن ينتظرون كسر القيد، 236 شهيدا ارتقت أرواحهم داخل زنازينهم منذ عام 1967، منهم 73 ارتقوا نتيجة التعذيب و79 نتيجة الإهمال الطبي و77 نتيجة القتل العمد بعد الاعتقال مباشرة، وسبعة أسرى بعد إصابتهم بالرصاص داخل السجن.
وكي يزيد السجان من رصيد إجرامه ما زال يحتجز جثامين 12 أسيرا أقدمهم الأسير أنيس دولة منذ عام 1980.
وما زالت حكايتهم هي الأنقى عبر كل الأزمان، على أمل أن يكون يوم الأسير هذا العام هو الأخير الذي يحييه شعبهم وهم مغيبون في مقابر الأحياء.