تضج الدنيا وتعلو الأصوات احتفالا بيوم المرأة العالمي، تتبادل العاملات في مختلف المؤسسات والهيئات التهاني والأزهار ويعطين إجازة لإتمام شكل الاحتفال هذا.
ولكن في مبنى قديم رابض على جبل فلسطيني ألف حكاية وحكاية، جدرانه تضم أمهات وطالبات وجريحات وطفلات، تمنعهن الأسوار العالية والجنود المدججون من الخروج للقاء عائلاتهن وأبنائهن وأحبابهن، فأصبحن نبض الرواية الفلسطينية المتجددة.
أسيرات بأحكام مختلفة معظمها كيدي وكثير منها مزاجي حسب القاضي ودرجة عنصريته، يصارعن للبقاء كي يعدن يوما ما إلى أرواح تشتاق لهن وتدعو كل يوم لحريتهن، ولكن ذلك طال أمده وتعمقت جراحه وما زلن يروين آلامهن بمداد التعذيب والقهر والحرمان.
29 أسيرة يواصل الاحتلال اعتقالهن، بينهن طفلتان هما نفوذ حمّاد، وزمزم القواسمة التي بلغت سن الـ 18 قبل أيام لتطوي صفحة الطفولة من حياتها ليس بحفلة يوم ميلاد أو برحلة مع عائلتها بل بسجن مقيت يغلق أبوابه عليها.
15 أسيرة منهن أصدرت المحاكم العسكرية أحكاما عليهن، وعدد مماثل يعانين من مشاكل صحية تتراوح بين أمراض مختلفة، ربما أكثرها قسوة ما تمر به الأسيرة المقدسية الجريحة إسراء جعابيص التي تعاني من حروق في معظم جسدها وبتر في أصابع يديها ومشاكل صحية مختلفة جراء جرحها الممتد منذ لحظة اعتقالها عام ٢٠١٥، وازدادت أوجاعها بتعنت الاحتلال ورفضه تقليص حكمها الذي يفوق عشر سنوات.
أقدم الأسيرات في سجون الاحتلال اليوم هي الأسيرة ميسون موسى من بيت لحم، والمعتقلة منذ عام 2015، وهي محكومة بالسّجن لمدة 15 عامًا.
أما أعلى الأحكام فصدرت بحقّ الأسيرات: شروق دويات من صور باهر جنوب القدس وشاتيلا أبو عيادة من الداخل المحتل المحكومتان بالسّجن لـ16 عاماً، وميسون موسى لمدة 15 عامًا، وعائشة الأفغاني لمدة 13 عاماً.
ومن بين الأسيرات: أسيرة واحدة معتقلة إداريًا وهي رغد الفني من طولكرم، ومن بين الأسيرات سبع جريحات تتقاطع عليهن الأوجاع من ظلم وحرمان وإهمال طبي متعمد ممتد منذ لحظة اعتقالهن بعد إصابتهن.
ومن بين الأسيرات ست أمهات وهن إسراء جعابيص، وفدوى حمادة، وأماني الحشيم، وياسمين شعبان، وعطاف جرادات، ولينا أبو غلمي، تغفى عيونهن على صور أطفالهن وذكريات أمومتهن ومداعبة صغارهن، ولكن حتى هذا الحق الواضح البسيط يُحرمن منه، ومن بينهن الأسيرة عطاف جرادات من جنين، وهي أمّ لثلاثة أسرى وهم (عمر، وغيث، والمنتصر بالله) جرادات، حيث تخالج أفكارها صور القلق عليهم والتفكير بظروفهم في الأسر القاسي.
غالبية الأسيرات المحكومات أحكامًا عالية من القدس، علما أنه منذ العام المنصرم 2022، ومع بداية العام الجاري سُجلت 193 حالة اعتقال لنساء وفتيات، ومنذ عام 2015، سُجلت نحو 1300 حالة اعتقال للنساء والفتيات، ومنذ عام 1967، اعتقل الاحتلال أكثر من 17 ألف امرأة فلسطينيّة.
ولا بد هنا أن نذكر أن أول أسيرة في تاريخ الثّورة الفلسطينيّة المعاصرة هي فاطمة برناوي من القدس، والتي رحلت في نهاية العام الماضي.
ليست الحرية أملاً لديهن، بل مطلب واضح وصريح، فالقيود أكلت من أعمارهن وملامحهن ما لا يتحمله عقل ولا يستوعبه عاقل..