حين يُذكر اسم عائلة أبو الهيجا ترتعش الذاكرة بصور كثيرة وتتداخل أصوات الاشتباكات مع أصوات الهتاف والدعاء والتكبيرات، فمنذ عام ٢٠٠٢ وهي تخوض معركة كاملة سلاحها فيها الصبر والإيمان.
في أزقة مخيم جنين تنتشر رائحة الشهادة وتتعالى على الجراح التي خلفها المحتل بعتاده الثقيل المحرم دوليا، وتنتشر صور الشهداء والأسرى مطبوعة على الجدران وأعمدة الكهرباء والأسوار وأبواب المحال التجارية، كما تمتزج مع عبارات النعي والفخر المرسومة بدقة في كل زقاق.
بداية الحكاية
الوالد الشيخ جمال أبو الهيجا كان واحدا من قادة وفرسان معركة مخيم جنين عام ٢٠٠٢ حين اجتاحه الاحتلال بمئات الجنود وحولوه إلى مقبرة للأطفال والنساء، فيما حوله المقاومون إلى مقبرة للجنود ورفضوا الاستسلام فاستشهد منهم من استشهد وأُسر منهم من أُسر.
قبل معركة المخيم بشهر أصيب الشيخ أبو الهيجا وبترت ذراعه، ورغم ذلك لم يستسلم وخاض الاشتباك حتى آخر نفس حر، ثم اعتقل بعد خمسة أشهر من إصابته لم يتلق خلالها العلاج الكافي لأنه كان مطاردا.
تقول ابنته بنان لـ مكتب إعلام الأسرى إن والدها تعرض لتحقيق قاس واتهمه الاحتلال بتخطيط عملية تفجير حافلة في صفد المحتلة وحكم عليه بالسجن المؤبد تسع مرات، وبعد التحقيق القاسي تعرض للعزل الانفرادي لثماني سنوات متواصلة.
الحرمان من الزيارة فاق سنوات العزل، حيث حرمت عائلته من زيارته تحت حجة الرفض الأمني لأكثر من ١٥ عاما، ذاق خلالها ويلات العزل والسجن والإصابة، ولكن لسان حاله دوما أن الحمد لله رب العالمين.
وتوضح بنان بأن والدها رغم إصابته واعتقاله لم يشكُ يوما وبقي لسانه ذاكرا حامداً مسبّحاً صابرا، وحاول الاحتلال عقابه مرات عديدة سواء بالعزل أو الحرمان أو النقل أو منع الزيارات إلا أن ذلك لم يجد في كسر معنوياته الصلبة.
الأبناء على الدرب
لم يكتف المحتل بسجن الوالد، بل طال القيد أبناءه كذلك، فاعتقلوا جميعا وأمضى عبد السلام ١٢ عاما مجتمعة، وعاصم وعماد ست سنوات ونصف، وحمزة خمسة أشهر، واعتقلت الوالدة لتسعة أشهر إدارية عام ٢٠٠٣، واعتقلت بنان عام ٢٠٠٧ لمدة شهر في تحقيق الجلمة سيء الذكر.
وتوضح بنان أن حمزة كان دوما محبا للشهادة وحمل سلاحه وتحدى الاحتلال بإقدامه وإصراره ورفض معادلة الذل التي حاول الاحتلال فرضها، فارتقى في اشتباك مسلح مع الجنود عام ٢٠١٤ رافضا الانسحاب أو الاستسلام.
وتقول إن حمزة استشهد وهو لم ير والده الأسير منذ ثماني سنوات، ولكنه بث فيه روح العزة والكرامة وسار على دربه ودرب الشهداء.
الآن يجتمع كل الأبناء مع والدهم في الأسر؛ ولكنهم محرومون من الالتقاء حتى في سجن واحد، ورغم تقديمهم طلبات عدة للقاء إلا أن محكمة الاحتلال ترفض ذلك وتعتبره عقابا رادعا لهم.
وتشير بنان إلى أن منزل العائلة تعرض للقصف بالصواريخ عام ٢٠٠٢ وبعدها بشهر حرق بشكل كامل، وقام الجنود بمداهمته عشرات المرات وقاموا بخلع البلاط وهدم جدران داخلية بحجة التفتيش.
أما عن وضع العائلة حاليا فالأم وابنتاها فقط خارج الأسر، فيما عانت الوالدة من ورم في الدماغ قبل عدة سنوات وتم استئصال الجزء الأمامي منه ما أدى لضعف بصرها بشكل كبير، وتتناوب بنان وشقيقتها ساجدة في رعايتها إضافة إلى زوجات أشقائهن.
وتضيف:" العائلة تعيش وضعا قاسيا بسبب تكرار الاعتقالات بحق الأبناء والضغط علينا كبير جدا نحن النساء لمجاراة الحياة اليومية، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل".