رياح عتية وأمطار غزيرة تضرب النافذة الصغيرة؛ هي توحي بجو شديد البرودة ولكنها لم تفلح في ثني العائلة عن العدول عن زيارة ابنها الأسير، فالزيارة باتت الحلم المنتظر لعائلات الأسرى الفلسطينيين في ظل تجبر الاحتلال وقهره الممنهج للأسرى وعائلاتهم.
وبسبب الحواجز والقيود المشددة على الضفة المحتلة؛ يجب على أهالي الأسرى الذين ينوون زيارة أبنائهم الخروج في ساعات الفجر أو ما قبلها للوصول إلى حافلات لجنة الصليب الأحمر الدولية، وهي الساعات الأشد برودة خلال اليوم.
ولكنها كما غيرها لا تثنيهم عن قرار الزيارة؛ فرؤية أبنائهم وأحبائهم أهم من أي شيء آخر، وبحسب العائلات فإن التعب والبرد الشديد والشعور بالإرهاق ينجلي حين تطل وجوه الأسرى من خلف النوافذ الزجاجية في زيارة لا تزيد عن بضع دقائق.
الأشد برداً
ويعتبر سجن "عوفر" غرب رام الله من أشد السجون برودة على الأسرى وعائلاتهم؛ خاصة تلك التي تسكن في مناطق شمال الضفة والتي تتسم بالدفء أكثر من غيرها حسب مناخها.
والد الأسير صلاح نزال من البيرة يقول لـ مكتب إعلام الأسرى إن ما يزيد من شعور العائلات بالبرد القارس هو إجراءات الاحتلال الانتقامية من الأهالي، حيث يجبرهم على الانتظار في الخارج في أجواء شديدة البرودة دون رحمة لكبار السن والأطفال والنساء.
ولم يتمكن الوالد من شرح معاناة الزيارة في هذه الأشهر الباردة؛ فابنه الأسير الذي ما زال موقوفا بتهمة محاولة دهس للجنود على حاجز قلنديا قبل عدة أشهر حُرم من الزيارة في بداية الاعتقال، والآن سمحت قوات الاحتلال لعائلته بزيارته فشاهدت العذاب بأم عينها.
وأضاف:" ما شاهدته من معاناة متعمدة من قبل الاحتلال جريمة بحق الإنسانية؛ فهناك النساء والأطفال وكبار السن وأجسادهم ترجف من شدة البرد ويتألمون بصمت لعلهم ينجحون في زيارة أبنائهم في قاعة تعصف فيها الرياح ويكون البرد عقوبة من الاحتلال لهم؛ حتى أن بعض العائلات تجمعت حول بعضها البعض للتخفيف من البرودة التي تغزوهم، فهم يتوقون إلى جذوة من نار ينالون منها دفئا ولو كان يسيرا".
وحين كان نزال ينتظر مع بقية الأهالي في هذه الأجواء بادر وعلى مسؤوليته الخاصة بجمع أوراق متناثرة وأشعل النار فيها وتجمع أهالي الأسرى حولها يتدافعون لعلهم ينالون قليلا من الدفء ، إلا أن جنود الاحتلال وضباطه استنفروا لإشعال النار في أوراق متناثرة ولم يتحركوا لمعاناة عائلات الأسرى، وقاموا بمنعهم من إشعالها في المكان وهددوهم بمنع الزيارة إذا حاولوا إشعالها مرة ثانية وذهبوا غير آبهين بمعاناة العائلات بل زادوا من إجراءاتهم العنصرية، وأجبروا عائلات الأسرى التي قامت بالزيارة على الانتظار في الخارج حتى ينهي الفوج الثاني الزيارة ومنعوا ممثلي الصليب الأحمر من إدخالهم في الحافلات لانتظار الآخرين.
وتابع:" ورغم مناشدات العائلات بفتح الحافلات لهم، كان رد الاحتلال الرفض في سادية عنصرية تتلذذ بمعاناة البشر ، فسلوك الاحتلال يسجل في سجل الجرائم بحق الإنسانية ، وبعد الزيارة تنتشر الأمراض في أجساد عائلات الأسرى من البرد الشديد الذي عاشوا فيه ساعات طوال بقرار من دولة عنصرية".
الزيارات للسجون تتسم بالصعوبة والقسوة؛ فهي واحدة من أشكال العقاب المفروضة على الأسرى وأهاليهم، وخلال أشهر الحر الشديد أو البرد القارس يدفع الأهالي الثمن بعد تعمد الاحتلال الانتقام منهم حتى يمتنعوا عن زيارة أبنائهم بقرار منهم هربا من إجراءاته.