لم يكن ذاك الفتى المقدسي يدرك أن السجن سيكون مقبرة أحلامه وطموحاته، فهو في بداية حياته ويسعى لتكوين ذاته، ولكن بالطبع فإن مخططات الاحتلال لها اتجاه آخر وأهداف مختلفة .
بدأت حكاية الشاب علاء صلاح من بلدة العيسوية شمال شرق القدس المحتلة منذ سنوات عدة حين كان في الصف العاشر، حيث اعتقله الجنود لعدة أشهر وبعدها أفرج عنه إلى الحبس المنزلي لمدة فاقت 11 شهرا، وهو عقاب من نوع آخر قد يكون أقسى من السجن نفسه!
ويروي المحرر صلاح لـ مكتب إعلام الأسرى حكايته مع ظلم الاحتلال الذي بدأ باعتقاله وحبسه بيتيا، حيث بعد العذابات التي مر بها خلاله وحرمانه من التوجه لمدرسته وبالتالي تفويت فرصته في إكمال تعليمه؛ أعيد اعتقاله مجددا بعد أشهر عام 2014، ليفرج عنه عام 2015.
هذا الاستهداف لم يتوقف للشاب الذي كان يطمح بإكمال دراسته والتغلب على كل الصعوبات، حيث في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2015 كان مارا من أحد شوارع قريته ليصاب بعيار معدني مغلف بالمطاط في عينه التي فقدها على الفور.
ويقول إنه أصيب وسقط أرضا ونقل إلى المستشفى وهو ينزف الكثير من الدماء، وبعدها تم إبلاغه أنه فقد عينه وتم وضع ضمادة عليها، مبينا بأن آلام عينه ورأسه كانت تفرق الوصف.
ومع بداية عام 2016 داهمت قوات الاحتلال منزله في القرية وخربت محتوياته ونكلت بعائلته؛ بينما لم يكن هو متواجدا فيه، وبعد يومين من تكرار المشهد القاسي لم يحتمل علاء أن يعرض عائلته لأي تنكيل إضافي فقرر تسليم نفسه.
ويوضح بأنه لم يكن يتوقع أن يمكث في السجن طويلا، حيث لم يكن أصلا يعرف لماذا تريد قوات الاحتلال اعتقاله، وحين سلم نفسه لها تم نقله فورا إلى زنازين مركز تحقيق المسكوبية سيئة الذكر.
هناك تعرض علاء لشتى ألوان التعذيب والحرمان، فكان المحققون يتناوبون على ضربه وشبحه وتقييده المستمر، وكانوا يحرمونه من النوم والطعام والاستحمام، كل ذلك في محاولة لإجباره على الاعتراف على تهم لم يفعلها.
وبعد 30 يوما من معاناة المسكوبية تم نقله إلى سجن إيشل؛ وهناك أبلغه السجان بأن مدة الحكم لا يحددها قاض ولا محكمة ولا نيابة، بل كل ذلك مرتبط بمخابرات الاحتلال!
إهمال طبي
وخلال هذه الفترة من الاعتقال والتعذيب كان وضع علاء الصحي يزداد سوءا، حيث كان بحاجة لعدة عمليات جراحية لإصلاح الجفن والعظم المتفتت، ولكن الاحتلال لم يكترث بالطبع بل كان هدفه أن يزيد من معاناته.
ويوضح علاء بأنه كان طيلة الوقت يشعر بآلام في الرأس والعين ويعاني من قلة النوم جراء أوجاعه، ثم طالب إدارة السجون بتوفير عين زجاجية له ولكنها لم تستجب إلا بعد عامين ونصف من اعتقاله.
وحتى العين الزجاجية التي تم تركيبها له في السجن لم توف بالغرض؛ فكانت شكلية فقط ولم تتم معالجة جفنه أو العظم المتفتت، لتبقى معاناته كما هي تحت عنوان المماطلة المستمرة.
أما الحكم على علاء فكان صادما للغاية، حيث توقع أن يمكث في السجن عاما أو أكثر بقليل كونه لا توجد تهم عليه، ولكن مخابرات الاحتلال ادعت بأنها تعرف كل شيء عن كل شاب حتى لو لم يعترف، وهناك شكل آخر للظلم الذي تمثل بحكم لأربع سنوات ونصف كان صادما وقاسيا على عائلته.
إرادة
وعلى الرغم من محاولات الاحتلال بث الإحباط في نفس علاء إلا أنه لم يستسلم، فقرر في داخله أن يتحدى ظروف السجن والحرمان وأن يكمل طموحه الذي توقف منذ سنوات.
ويبين بأنه أكمل دراسة الثانوية العامة في السجن ثم سجل للجامعة وبدأ بدراسة الخدمة الاجتماعية، ولكنه يريد الآن بعد التحرر أن يركز على علاج عينه وإجراء العمليات الجراحية التي تأخرت لأعوام.
ويضيف:" قبل اعتقالي علمت أن الاحتلال يلاحقني فكنت أنام خارج البيت كي لا يتم اعتقالي والسبب أن لا أتعرض للإهمال الطبي وكي أكمل علاجي".
ويصف المحرر أوضاع الأسرى بأنها مأساوية في طل محاولات إدارة السجون المستمرة لكسر إنجازاتهم ومعنوياتهم والانتقام منهم بكافة الطرق.