لم تمض هذه الأعوام إلا وقد تركت لهم شيبَ القهر وتجاعيد الظلم ولمعة الشوق لاحتضان أُمهاتهم اللواتي أذابهنَّ الحنين، أولئك الأسرى الذين كُبّلت أجسادهم قسراً في زنازين المحتل وها هم الآن رحبوا بحريتهم التي صنعوا من صمودهم جسراً للوصول إليها ويراودهم الإحساس بأن القدر ليس حليفاً لهم، كيف لا وهم قد حملوا أمتعتهم وغادروا معتقلاتهم كما كانوا يحلمون إلا أن أعظم أمنياتهم بعناق أحبابهم وقلوبهم قد أبعدها الواقع الأليم والحجر الإلزامي المنزلي حفاظاً على من يحبون، بعد هذه السنوات الطوال من البعد كيف لهم أن يقاوموا عدم الارتماء بين أضلع أمهاتهم وتقبيل أيديهن ومحو ألم الفراق؟.
والدة الأسير هاشم طه من الخليل والذي تحرر منذ أسبوع بعد غياب استمر 13 عاماً، تروي لحظة الإفراج عن ابنها هاشم وتقول" في البداية لم اتعرف على ابني وظننت أن هناك إصابات بفيروس كورونا في المكان والمصورين يصورونهم، فهو كان يرتدي الكمامة، وبعده اكتشفت أن هذا الذي يصورونه هو هشام هو ابني الذي حرمني الاحتلال منه.
فرحة منغوصة
وتتابع والدة الأسير حديثه وتقول" الفرحة كانت ناقصة، فبسبب فيروس كورونا حرمت من تقبيل نجلي واحتضانه بعد هذا الفراق، فأنا لم أنم منذ يومين وأنا أتخيل هذه اللحظة كيف ستكون وكيف سأحتضنه وأقبله بشوق لكن هذا الوباء كان لنا بالمرصاد، فاكتفينا بالتسليم عن بعد دون أي عناق يزيل الشوق الذي بيننا منذ 13 عاماً.
أما بالنسبة للمحرر حسام حرب (60عاماً) من قرية اسكاكا شرق سلفيت، يقول عبر اتصال هاتفي معه من داخل الحجر المنزلي" إنّ بين الأسرى أنفسهم لا يوجد أي احتمال لنقل فيروس كورونا الخوف هو فقط من السجان، فالاحتلال هو المسؤول عن حياة وإصابة أي أسير بوباء كورونا".
ويضيف حرب: أثناء خروجي من السجن إلى الحرية قام الاحتلال بتقيد يديّ وقدميّ، وبالتالي هذا مؤشر خطير على احتمالية نقل الفيروس لي، عبر السجان.
ويشير حرب إلى أنه كان قد بلغ عائلته قبل يومين من موعد الإفراج عنه بنشر بيان للاعتذار عن استقبال المهنئين، وعدم تجهيز أي موكب للاستقبال خوفاً من تفشي فيروس كورونا.
ويتابع حديثه: عند وصولي إلى حاجز الظاهرية كنت أرتدي الكمامة والكفوف، واستقبلني ابني، ومنعته من التسليم علي واحتضاني واكتفينا بالتلويح من بعيد.
ويضيف: رغم أن الفرحة كانت منقوصة فأنا كنت أنتظر بفارغ الصبر لحظة الإفراج عني وأقبل عائلتي وأعانق أولادي، ولكن الأهم هو ألا أجلب لعائلتي أو أبناء شعبي أيّ أذى، فالأسير الذي دفع حياته من أجل أبناء شعبه لا يقبل أن يكون هو السبب في إيذائهم ونقل هذه العدوى إليهم.
ويحمّل حرب الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى وخصوصاً في ظل امتناع إدارة السجون عن اتخاذ الإجراءات الوقاية لمنع تفشي فيروس كورونا، وكنا نشعر نحن الأسرى بأن الاحتلال لا يهتم بحياة الأسرى وهو يسعى للتخلص منهم بأي طريقة كانت.
رسالة الأسرى
وبحسب حرب فأن رسالة الأسرى إلى جميع دول العالم الأحرار وكل المؤسسات ذات العلاقة" أنقذونا قبل أن تفقدونا، فحياتهم في خطر الآن أكثر من أي وقت، حيث أن كافة السجون والمعتقلات تشهد اكتظاظاً كبيراً في أعداد الأسرى، وبالتالي أية إصابة لأي أسير في أي سجن فأنه سينتقل لباقي الأسرى وخصوصاً داخل السجن الواحد.
ويتساءل حرب أن العالم لم يتحمل شهر واحد من العزل فكيف لبعض الأسرى الذين تجاوز الثلاثين عاماً وهو داخل سجون الاحتلال وخلف القضبان كنائل البرغوثي ويونس كريم.
وعن شعور الإفراج عنه في ظل فيروس كورونا تقول زوجة الأسير حرب" ام حسام" أنه لغاية الآن لم نستطيع التسليم عليه، ولم يتمكن أبناؤه من تقبيله واحتضانه، بالرغم من أنه أجرى الفحص وكانت النتيجة سلبية إلا أنه قرر أن يحجر نفسه 14 يوماً من أجل سلامة عائلته وأبناء وطنه، وكما انتظرنا أن يتحرر من داخل سجون الاحتلال وينال حريته سوف ننتظر أن تنتهي فترة الحضانة، لنتخلص من هذا الفراق الذي بيننا.