يروي المحرر الصحفي محمد منى من مدينة نابلس لمكتب إعلام الأسرى، تجربته الاعتقالية في سجون الاحتلال، التي استمرت سبع سنوات ونصف على فترات متقطعة منها أربع سنوات في الاعتقال الإداري، بمرارة وغصة في قلبه، فالمئات من الفلسطينيين يدفعون الثمن في الاعتقال الإداري بذريعة الملف السري الوهمي.
محطة صعبة
يقول المحرر محمد منى لمكتب إعلام الأسرى:" محطة الاعتقال صعبة على محيط المعتقل العائلي والاجتماعي والمهني، فهو انقطاع قسري في غياهب السجون التي تحولت إلى مدافن الأحياء بقرار من أعلى المستويات في دولة الاحتلال، الذين يحاولون التضييق على الأسرى لقتل الروح النضالية وإرهاق الجسد بالتعب والأمراض".
بوسطة مقرفة وتهمة التحريض
ويضيف:" بالنسبة لي كل الاستجوابات والمحاكم التي كنت أجبر على الحضور إليها في بوسطة مقرفة بكل ما تعنيه الكلمة ومع معتقلين جنائيين ومعابر يصعب وصف قساوتها، وكانت التهمة التحريض، وأنني أكتب التحريض بيدي، فكل عمل صحفي يعتبره الاحتلال عدوا له".
ويتابع "ضباط المخابرات في الاستجوابات الأمنية كانوا يتطرقون إلى قضية عملي المهني، وأنه يتوجب عليّ الابتعاد عن كل أشكال التحريض في عرفهم ووجهة نظرهم، وعندما كنت أطلب منهم ما هو المسموح وما هو الممنوع لا يستطيعون الإجابة".
ويضيف "نحن كصحفيين لا نصنع الحدث بل نواكب الحدث ونقوم بتغطيته مهنيا، وكون الاحتلال يمارس الإرهاب بحق المدنيين فكل من يكشف حقيقته يكون عدوا له ويعتقل بذريعة التحريض وهي كلمة فضفاضة ، ويتم تفصيل التهمة في الملف السري بشكل يقنع القاضي ، فالمخابرات تتقن فن تضخيم الملف السري للمعتقل الإداري ، فعندما يتم سرد البنود في ورقة التمديد ، يصاب المعتقل بالذهول من هول التضخيم والكذب والتزوير، فالتهم الموجودة تصلح لتكون لائحة اتهام يتم حكم الأسير بعدة سنوات ، ولكونها مفبركة ووجدت كي يتم تمديد المعتقل حتى يقتنع ضابط المخابرات وقائد المنطقة بأن المدة كافية لإنهاء الاعتقال الإداري".
قلق وانتظار
وتابع قائلا:" المعتقل الإداري يبقى قلقا طوال فترة اعتقاله، فلا أمان له من مكر المخابرات والنيابة العامة التي هي بمثابة محامي دولة الاحتلال، فلا يعني انتهاء الاعتقال الإداري هو الإفراج بل يكون بمثابة الانتقال إلى مربع الاعتقال على ذمة قضية".
ويضيف" الكثير من المعتقلين الإداريين تحولوا إلى بند القضية بعد قضاء فترة طويلة في الاعتقال الإداري وكذلك أصحاب الأحكام يتم تحويلهم للاعتقال الإداري بعد انتهاء محكوميتهم، فالباب الدوار سياسة المخابرات في التعامل مع الأسرى وخصوصا من هم في الاعتقال الإداري، وكل معتقل إداري يكون له سقف زمني سري مثبت لدى النيابة العامة، ويتم التجديد بناء على ما هو موجود من سقف زمني وليس بناء على أدلة كما يتم الإدعاء في محاكم الاستئناف والتثبيت الخاصة بالمعتقلين الإداريين".
الإضراب عن الطعام
وعن الإضرابات عن الطعام للمعتقلين الإداريين يقول المحرر الإعلامي منى:" أنا خضت إضرابا عن الطعام مع المعتقلين الإداريين عام 2014 لمدة 63 يوماً، وهذا الإضراب نجح في وضع سقف للاعتقال الإداري وهو مدة عامين فقط بينما كان في السابق يستمر لخمس سنوات، كما ان ضباط المخابرات يرتعدون من إعلان كل أسير إداري نيته الإضراب عن الطعام، لذا الإضراب عن الطعام سواء الجماعي أو الفردي له إيجابيات بالرغم من قسوته وشدة ألمه ".
دور الصحفي الأسير
وتحدث المحرر الصحفي منى عن دور الصحفي الأسير داخل الأسر قائلا :" لاشك أن عين الصحفي الأسير لها أهميتها فهو قادر على صياغة الألم وترجمته إلى الخارج بإسلوب مختلف عن الأخبار التي تتحدث عن الأسرى بشكل مجرد وعلى شكل أرقام ، فدورنا مع الزملاء الصحفيين المعتقلين تدريب الأسرى على كيفية التعاطي مع الخبر وصياغته كي يكون فاعلاً ومؤثراً ، وكذلك التعامل مع الأسير كقصة صحفية إنسانية، فالأسرى يهتمون بالجانب الإعلامي وعتبهم على وسائل الإعلام التعامل معهم كأنهم مجرد إحصائيات رقمية، وكذلك الصحفي الأسير له دور في قطاع الحركة الأسيرة من خلال تسليط الضوء على المفاصل المهمة في الحياة الاعتقالية لكل العالم".
الاعتقال والأطفال
وعن تأثير الاعتقال على أطفاله حمزة وعبدالرحمن يتنهد المحرر منى قائلا :"مأساة الاعتقال وخصوصا الاعتقال الإداري يكمن في إيجاد فجوة عاطفية بين الأب وأطفاله فطفلي عبدالرحمن تعرف عليَ في الزيارة وكان يسأل لماذا أبي هنا ونعجز عن الجواب أنا وزوجتي ونهرب منه ، ولكن يبقى السؤال لماذا أبي لا يأتي معنا ، وتارة أتحجج بأني اشتغل هنا ولكن دون جدوى، أما طفلي حمزة ففي بداية العام الدراسي عندما دخل المدرسة في الصف الأول كان يسأل عني ولماذا كل الأباء يأتون إلى المدرسة إلا انا وحيد بدون أب ، فهذه العزلة الشعورية والفجوة النفسية تعتبر من أكثر الأضرار على نفسية العائلة في الاعتقال الإداري".
الأسرى المرضى ومعاناة الاعتقال
وعن الأسرى المرضى في الاعتقال الإداري قال المحرر منى:" نحن أمام جريمة مركبة يتم اقترافها بحق الأسرى المرضى في الاعتقال الإداري، فهناك ظلم في الاعتقال ذاته وظلم في ملف تأخير العلاج على المريض كما حصل مع المحرر عبد الناصر رابي من قلقيلية الذي أصيب بالسرطان وتأخر علاجه في الاعتقال الإداري لمدة عشرة أشهر حتى تحرر ومنع من التصريح الأمني لدخول القدس فترة من الزمن حتى سمح له بدخول القدس".
رسالة الأسرى
وأشار:" رسالة الأسرى في الاعتقال الإداري تدويل قضية الاعتقال الإداري كونه محظور من الناحية القانونية ولا يستخدم في العالم إلا في نطاق ضيق ولمرة واحدة، ودولة الاحتلال هي التي تستخدمه على نطاق واسع، وتقوم بشرعنته من خلال محاكم وهمية في محاكم يطلق عليها الاستئناف والتثبيت وهي أدوات للشرعنة وليس لإلغاء الاعتقال".