الأسير القائد مهند شريم.. حين أخبره السجّان أن المقاومة تخلّت عنه فأجاب: من كان يعتصم بالله فإن الله باقٍ وهو ناصره
تقرير/ إعلام الأسرى

يحارب الاحتلال في سجونه معنويات الأسرى في واحدةٍ من أبشع أساليب الحرب النفسية، إذ تتعمّد إدارة السجون الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، خصوصًا عقب انتهاء المرحلة الأخيرة من صفقة طوفان الأحرار، إبلاغ الأسرى بأن المقاومة قد تخلّت عنهم.

وفيما لا تزال زيارات المحامين نادرة، يعيش كثير من الأسرى عزلاً داخل عزلهم، منقطعين عن أخبار العالم الخارجي. بعضهم يظن أن مراحل الصفقة لم تنته بعد، فيما يوقن جميعهم أن لله شؤونه وحكمته، وأن قدر الحرية قادم لا محالة، مهما طال البلاء.

يواصل مكتب إعلام الأسرى طرق أبواب الخزان، ويسعى عبر سلسلة أسبوعية لتوثيق قصص الأسرى المحكومين بالمؤبدات، لبثّ أرواحهم في الوعي العام، ولإبقاء سيرهم وتضحياتهم حاضرة في ذاكرة شعبهم والعالم، رغم محاولات طمسها وإخفائها.

تعيش عائلات الأسرى المحكومين بالمؤبد منذ أسابيع في دوامةٍ من القلق والألم، يتكبّدون فيها أثقال الانتظار والخذلان. بعض العائلات تبذل الغالي لتوكيل محامٍ يخبر أبناءها أن الصفقة قد انتهت، وأن أسماءهم لم تُدرج في قوائم الحرية. الألم في تلك اللحظة ينهش البيوت بصمت، فهناك زوجةٌ تحاول أن تصوغ كلمات صبرٍ ترسلها إلى حبيبها خلف القضبان، وأمٌّ ترجُو المحامي أن يبلّغ الخبر بأقل ما يمكن من الأذى النفسي، فيما يبقى المحامي نفسه ممزقًا بين مهنته وإنسانيته وهو يرى الدموع في عيون الجميع.

من بين تلك العائلات، عائلة الأسير مهند طلال منصور شريم (50 عامًا) من طولكرم، التي عاشت هذه التجربة القاسية ثلاث مرات، منذ صفقة وفاء الأحرار الأولى، ثم طوفان الأحرار 2، وأخيرًا طوفان الأحرار 3.

والدة مهند مثالٌ نادرٌ لصبر الأم الفلسطينية، في كل مرة كانت تتهيأ لاحتمال فرحةٍ قادمة، تتجهز للسفر إلى مصر تحسبًا لإبعاده المحتمل بعد الإفراج، لكنها كانت تعود في كل مرة بخيبةٍ جديدة، ومع ذلك تبقى مؤمنة أن الله لا يُضيع أجر الصابرين.

أما مهند، الأسير القائد المؤمن، فيحمل فوق حكمه بالمؤبد المكرر 29 مرة إضافة إلى 20 عامًا أخرى، عذاب العزل الانفرادي والتجويع والإهمال الطبي. ومع كل ذلك، يتجرأ السجان ليقول له بوقاحة: "حركتك تخلّت عنك".

بعد زيارة المحامي له في 20 أكتوبر 2025، علم مهند أن الصفقة قد انتهت، وأن اسمه لم يُدرج بين المفرج عنهم. حينها قال كلمته الخالدة لمحاميه: "من كان ينتظر الجنود فإن الجنود قد ذهبوا، ومن كان يعتصم بالله فإن الله باقٍ وهو ناصره".

تؤكد شقيقته أن إدارة السجن تتعمد إذلال الأسرى بهذه العبارات، لكن مهند يواجههم بإيمانٍ ثابت لا تهزّه العواصف. يعيش حاليًا في عزل سجن جانوت بعد تنقله بين عزل جلبوع ومجدو، ويعاني من الدسك وآلام الظهر والهزال الشديد بعد خسارته نحو 45 كيلوغرامًا من وزنه نتيجة سياسة التجويع، كما أُصيب سابقًا بمرض السكابيوس قبل أن يتعافى منه بفضل الله.

ولد مهند في طولكرم لأسرةٍ محافظة، ودرس في جامعة القدس المفتوحة قبل أن يلتحق بصفوف كتائب القسام مع اندلاع انتفاضة الأقصى. شارك في عملية فندق باراك في نتانيا التي نفذها الشهيد عبد الباسط عودة عام 2002، والتي أسفرت عن مقتل نحو 30 مستوطنًا وإصابة آخرين. وفي 5 مايو 2002 اعتقله الاحتلال وحكم عليه بالمؤبدات المتكررة.

لم يتوقف مهند عن التعلم خلف القضبان، فأنهى درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية، وتابع دراسته حتى نال هذا العام درجة الماجستير في الدراسات الإقليمية من جامعة القدس بتقديرٍ عالٍ.

ورغم قسوة العزل، يظلّ مهند شريم ثابتًا كالجبال، يقارع سجّانه بالإيمان والأمل، مؤمنًا أن الحرية وعدٌ لا يسقط بالتقادم، وأن الله الذي يراه في سجنه لن يخذله في يوم الفرج.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020