كل أيام الشعب الفلسطيني أصبحت في منطقة رمادية مبهمة، لا يمكن أن نقول أن حرب السابع من أكتوبر أدت إلى ذلك، بل هي سارعت في الكشف عن الوجه الحقيقي لجرائم الاحتلال، الإحصائيات من المراكز والمؤسسات التي تعنى بالأسرى وشهداء الحركة الأسيرة تشير إلى تصاعد وتيرة الاعتداءات على الأسير الفلسطيني حتى بعد استشهاده قد بلغت ذروة جرائمها، اليوم تضطر مئات العائلات للمسارعة في رفع دعاوى قضائية لمنع إدارج أبنائهم ضمن مقابر الأرقام، وإبقائهم على الأقل في ثلاجات الاحتلال.
غالبية أمهات شهداء الحركة الأسيرة تنتهي حياتهن بمجرد الإعلان عن استشهاد أبنائهن خلف معتقلات الاحتلال، اليوم تجمع العشرات منهن على أن ثلاجة المنزل العادية باتت تشكل مشهداً مرعباً يحاولن التغاضي عنه كلما مررن بأرجاء المنزل، تتغاضى كثيرٌ منهن على وضع شيء في "فريزر الثلاجة"، اليوم كابوس من سلسلة طويلة من الاعتداءات يهاجم بوحشية حياة أهالي الشهداء من الأسرى، على أن هناك العشرات منهم ممن يخافون اليوم الرد على مكالمات هاتفية قد تفيدهم باستشهاد ذويهم في سجون الاحتلال.
مكتب إعلام الأسرى يسلط الضوء على أبرز قصص الأسرى المعذبين في السجون كي لا يصبحوا قصصاً من قصص الشهداء الذين يتعمد الاحتلال إخفائهم وإخفاء حقيقة ما جرى معهم في سجون الاحتلال، الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء تؤكد على أنها تعمل منذ سنوات طويلة في سبيل إعلاء كلمة الحق اتجاه كل ما يمكن أن يحرك ذرة ضمير في قبضة مسؤول أو جهة رسمية أجنبية أو مؤسسات حقوق الإنسان للمسارعة لعمل ما يلزم حتى يمكن التعامل قانونياً وإنسانياً مع الشهداء المحتجزين في مقابر الاحتلال وفي ثلاجاته، الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء تؤكد على أن هناك 727 شهيداً محتجزاً في ثلاجات الاحتلال، منهم 85 شهيداً من شهداء الحركة الأسيرة تنتظر أرواحهم الحرية هي أيضاً كما ينتظر ذووهم الخلاص من هذا العذاب الممتد.
الاحتلال الإسرائيلي وعلى مدار خمسة عقود ينتهج سياسة السيطرة على الأسرى حتى بعد الموت، فيما يعرف بسياسة السيطرة على الجسد بعد الوفاة كوسيلة قمع ضد الشعب الفلسطيني، في حين تفرض سلطات الاحتلال شروط تعجيزية على الأسرى ما بعد تسليم جثامينهم فيما يخص دفنهم، حيث تشترط الدفن الليلي، ومنع أي معالم حزن تتمثل بحضور عدد كبير من المشاركين في جنازته، ويضطر الفلسطيني في الاستجابة لهذه الشروط من أجل الحفاظ على كرامة الميت.
كافة القوانين الدولية والإنسانية تحظر هذه الممارسات ضد الموتى، وتؤكد اتفاقية جينيف على وجوب المعاملة الكريمة للقتلى وإعادة جثامينهم إلى ذويهم في الحروب، مشيرة إلى أن احتجاز جثمان الأسير يرقى لجريمة حرب.
يساهم مركز القدس للمساعدة القانونية في تسليط الضوء قانونياً عبر محاميه على جرائم الاحتلال والوقوف خلف احتجاز جثامينهم، والمطالبة بها، غير أنه يؤكد على أن هناك تعنت للاحتلال فيما يخص التعامل مع معلومات حول مكان احتجازهم خلال السنوات الأخيرة، علاوة على تعنت فيما يخص بنك الحمض النووي للذين يرقدون اليوم في مقابر الأرقام.
مكتب إعلام الأسرى وقف على فعاليات خاصة بهذا اليوم، وتحدث عن دور مؤسسات الأسرى والقائمين في بادئ الأمر على حملة استرداد جثامين الشهداء، في اليوم الوطني الذي تضامن فيه كل أطياف الشعب الفلسطيني مع عائلات الأسرى والشهداء المفقودين في ملفات مقابر وثلاجات الاحتلال، منوهاً على أن التعامل مع جثامين الأسرى تصاعدت حدته ما بعد حرب السابع من أكتوبر، علاوةً على العدد الكبير لشهداء الحركة الأسيرة ما بعد هذه الحرب.
المنسق الإعلامي لحملة استرداد جثامين الشهداء، حسن شجاعية تحدث لمكتب إعلام الأسرى للوقوف على المشاكل القانونية التي تقف عثرة في طريق أدائهم لمهمتهم التي من أجلها قامت هذه الحملة في العام 2008، والتي تستمر في عملها الدائم في التوثيق والدعم القانوني والتعامل مع ملفات الشهداء من الحركة الأسيرة والمفقودين وشهداء الشعب الفلسطيني المحتجزة جثامينهم.
يقول حسن شجاعية" في العامين 2024 و2025، تصاعدت وتيرة التعنت لدى سلطات الاحتلال بما يخص المسألة القانونية وتتبع جثامين الشهداء من أبناء الحركة الأسيرة ومن شهداء المقابر، اليوم نبذل جهودنا لمعرفة مكان جثامينهم أكان في مقابر الاحتلال أم في الثلاجات وهي سابقة خطيرة بما يخص ملف جثامين الحركة الأسيرة، حيث يتقدم أهاليهم بدعوات قضائية لمنع نقلهم إلى مقابر الأرقام".
يؤكد شجاعية على أن الحملة تعمل منذ سنوات طويلة على ملف الشهداء، هناك مراسلات مع الجهات الإسرائيلية لكن هناك تعنت كبير في السنتين الأخيرتين ما يشكل عبء كبير في عملية الإحصاء وملاحقة ملفات الشهداء، ومعرفة تفاصيل استشهادهم وتفاصيل احتجازهم على حد سواء، اليوم يعامل جثمان الأسير صاحب ال10 سنوات أسر تماماً كمعاملة الأسير صاحب السنة والإداري، وتماماً كمعاملة الشهداء فقد رصدوا التنكيل الذي تم بجثامين شهداء بلدة طمون وشهداء جنين وكيف تم إسقاطهم من علو بشكل متعمد ونقلهم عبر جرافات.
اليوم يعمد الاحتلال إلى احتجاز أي جثمان شهيد أو أسير يمكنه أن يصل إليه، ويؤكد شجاعية على أن عدد حالات الشهداء المسلمة منذ سنتين قليلة جداً مقارنة مع السنوات السابقة، اليوم تضم ثلاجات معهد أبو كبير في القدس، عدد من قصص لا تحصى لشهداء الوطن وشهداء الحركة الأسيرة، وأدت ظروف الحرب إلى عدم القدرة على تتبع آلية احتجازهم.
ال27 من آب يحمل سلسلة من فعاليات تتضامن مع أهالي الأسرى الشهداء وأهالي الشهداء وأهالي المفقودين، كذلك لكن الاحتلال يصر على التنغيص حتى على أدنى الإيمان بما يخص التضامن؛ فقد عمد يوم السبت بالتزامن مع إعلان فعالية تضامنية مع أهالي الشهداء الأسرى في محافظة البيرة في رام الله، إلى الاعتداء على كل من كان متواجداً منهم في مكان الاعتصام، ورميهم بالرصاص وبقنابل الغاز بهدف إفراغ المكنان والتنكيل بحقهم وبحق ما خرجوا لأجله.
رغم ذلك تؤكد فعاليات المؤسسات والأطر الوطنية ومؤسسات الأسرى والقائمين على حملة استرداد الجثامين على تصعيد التضامن عبر فعاليات أخرى ستقام إحداها يوم الأحد القادم في مدينة نابلس تليها فعاليات في مدينة الخليل، بهدف منع إسكات كلمة الحق والمطالبة بجثامين وقبور مغلقة تعبت أجساد أهالي الأسرى بالبحث عنها.
عائلة الأسير سعيد طزازعة من جنين الذي ارتقى مطلع شهر آب لهذا العام أكدت أن أسرى محررين أفادوا بأن نجلهم لم يكن يعاني من شيء بل وطمئنوهم بأن أحواله جيدة، ليتفاجؤوا عقب أيام باستشهاده داخل سجن مجدو ليكون الأسير رقم 76 من الأسرى الذين ارتقوا ما بعد حرب الإبادة على غزة، يليه الأسير مصعب العيدة سكان الخليل والذي ارتقى داخل مستشفى شعاري تسيدق، حيث كان يتلقى العلاج في الوقت الذي لم تشفع له إصابته بالرصاص على يد قوات الاحتلال قرب حل تل الرميدة، بأن تؤجل محاكمته بل وخضع في ذات اليوم السابق لمحاكمة جرى تمديدها في سجن عوفر.
اليوم تؤكد هيئة شؤون الأسرى المحررين على أن هناك جثمان (85) شهيد من الحركة الأسيرة لا تزال جثامينهم في غياهيب ثلاجات الاحتلال، منهم 74 أسير فقد قضوا شهداء في أعقاب حرب الإبادة على غزة ما بعد السابع من أكتوبر يحتفظ الاحتلال بجثامينهم حتى اليوم، ويبلغ مجمل عدد شهداء الحركة الأسيرة الموثقة هوياتهم منذ العام 1967 (314 شهيد).
مديرة الإعلام والتوثيق في نادي الأسير أماني سراحنة أكدت في حديثها لمكتب إعلام الأسرى على أن الفعاليات الخاصة بهذا اليوم، مرتبطة بما يحدث في الشارع الفلسطيني، فقد تم عرقلة الفعاليات المقامة يوم أمس في مدينة رام الله عقب اقتحام الاحتلال للمدينة لساعات، في حين يتزامن اليوم مع اقتحام الاحتلال لمدينة نابلس ونشر قواته في مناطق إقامة نشاطات الفعاليات وأماكن انطلاقها في منطقة دوار الشهداء.
التوثيقات المؤكدة عبر نادي الأسير تشير إلى أن هناك (77شهيداً) من شهداء الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال قضوا شهداء منذ حرب الإبادة على غزة، منهم 46 شهيداً من قطاع غزة على الأقل، و(74) يواصل الاحتلال احتجاز جثامينهم منذ السابع من أكتوبر، في الوقت الذي يصعب تحديد عدد وأسماء عشرات الشهداء من معتقلي قطاع غزة، نتيجة الإخفاء القسري لهم.
يعتبر الأسير الشهيد أنيس دولة من قلقيلية، من أقدم الأسرى الذين يحتجز الاحتلال جثامينهم وهو يشكل قضية منفردة بسبب الإجراءات الاستثنائية التي مارسها الاحتلال بحقه، عائلة الأسير دولة بمساعدة من مركز القدس للمساعدات القانونية عملت جاهدة لتحديد مكان وجود حثمانه، غير أن المحكمة العليا للاحتلال أقرت أنه وبعام 2011 يعتبر أنيس دولة "مفقود الجثمان" منذ 45 عاماً.
منذ العام 1980 لا يعرف أحد مكان وجود جثمان الأسير الشهيد أنيس دولة، تزعم المحكمة العليا للاحتلال أن الأسير الشهيد أنيس دولة، مفقود نتيجة استنفاذ كافة وسائل إيجاد جثمانه خلال التحقيقات التي أقرت بإجرائها، واليوم تشكل قصته حالة إنسانية استثنائية، من حالات الأسرى المحتجزة جثامينهم.
جمعة أبو غنيمة ووليد دقة، أسيران من الداخل المحتل، لا يعرف مصير جثمانهما أيضاً، تعرف العائلات بأن معهد أبو كبير هو مكان تواجد جثامين الشهداء وثلاجات تغلق أبوابها على أحبابهم، غير أنه وفي ظل الأحداث المتتابعة لما بعد حرب السابع من أكتوبر تجهل العائلات مصيرهم خاصة أنهم أسرى ارتقوا خلال العام 2024.
اليوم تتقلد سناء سلامة دور الجندي في معركة استرداد جثمان زوجها، رفقة ابنته ميلاد وهي التي تعرضت للاعتقال وذاقت مرارة السجن، وتحاول جل جهدها أن يفرج الاحتلال عن زوجها من ثلاجاته في معهد أبو كبير، الثلاجات التي تصفها هي بثلاجات الموت، في الوقت الذي وحتى تسترد جثمان زوجها لن تهنأ بلحظة حياة.
مكتب إعلام الأسرى أكد أنه وخلال العام 2023 فقط، 24 أسير فقط من قطاع غزة ممن يعرف أسماؤهم ارتقوا داخل معتقلات الاحتلال في حين لا يمكن تحديد العدد النهائي للمفقودين منهم ومن يخفي الاحتلال ظروف اعتقالهم وإن كانوا أحياء أم لا.
على الضفة الأخرى لا تزال زوجة الطبيب عدنان البرش من غزة تحارب كي لا يضيع اسم زوجها بين أسماء المفقودين، تنشر صرخاتها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، تحاول أن تكون صوت زوجها الغائب حتى يعود لها لتحتضنه تراب بلاده، وهو الأسير الذي ارتقى تحت التعذيب خلال شهر أبريل المنصرم، واعترف أطباء من الاحتلال نفسه بذلك.
جهود المؤسسات وحملات التضامن بما يخص باسترداد جثامين الشهداء الأسرى تؤكد أن الطريق لا يزال طويلاً أمام الإفراج عن أراوحهم المتعبة، اليوم تفقد عائلات الأسرى ثقتها بكل الجهود المعلنة والفعاليات التضامنية، كثيرون باتوا يتعمدون عدم المشاركة في هذه الفعاليات نتيجة السنوات المتراكمة من فشل الدعوات القانونية في استرداد أعزائهم، اليوم ينتظر أهالي الشهداء من الحركة الأسيرة معجزة ما لتحدث وينال أبنائهم حرية الموت إلى مقابر لا تزال مفتوحة بانتظار مواراة جثامينهم داخلها.