لم تكن الحرية نهاية المطاف، لقد كانت بداية فصل جديد من الحكاية…
حكاية أسرى تحرروا من قبضة السجان ليجدوا أنفسهم على موعد مع قدر آخر أقسى وأفدح، إذ باتت أجسادهم هدفا في مرمى الطائرات والدبابات، وبيوتهم مشاعا لصواريخ الحقد وأسماؤهم ممهورة في قوائم الشهداء.
في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011 أُفرج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني، وأُبعد 163 منهم قسرا إلى قطاع غزة، بعيدا عن مسقط الرأس وذاكرة الطفولة وحدائق الأمهات.
ومنذ ذلك الحين حمل هؤلاء المبعدون هم الوطن على أكتافهم، وواصلوا النضال على أرض غزة المحاصرة، فكانوا في الطليعة، كانوا في ميادين المقاومة وفي ساحات العمل الإنساني، وفي خطوط الدفاع الأولى عن الناس والكرامة، لكن الاحتلال لم ينس وجوههم ولم يغفر لذكرياتهم…
فمنذ بدء عدوانه الهمجي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عاد لينتقم.
واصل انتقامه من محرري صفقة وفاء الأحرار، فاستهدف بيوتهم واغتالهم مع عائلاتهم في محاولة واضحة لمحو أثرهم، وكأن لسان حاله يقول: لن أترك ظلالكم حية بعد أن تحررتم من قضباني.
31 شهيدا من بين المبعدين و دماء تعيد تعريف الحرية
ارتقى منذ بدء العدوان وحتى يوليو 2025، (31 محررا مبعدا)، معظمهم من محرري "وفاء الأحرار"، وآخرون من مبعدي كنيسة المهد.
استشهد ستة منهم في قصف متعمد ومباشر خلال الأسابيع الأخيرة في دلالة واضحة على استهداف منظم ومقصود، لا تبرره عشوائية الحرب وإنما تؤكده ذاكرة العدو الانتقائية التي لا تنسى من قارعوه ذات يوم.
هذه الأسماء عبارة عن سير نضالية كاملة، منها من أمضى عمره خلف القضبان، ومنها من قاد الانتفاضات، ومنها من واصل الطريق بعد التحرير في العمل المجتمعي والدعوي والإغاثي.
من الخليل والقدس ورام الله ونابلس وطوباس وبيت لحم وجنين وقلقيلية وسلفيت، اجتمعوا في غزة لاجئين على أمل العودة، فكانت نهايتهم في مجازر متفرقة كتبتها الطائرات بأحرف من نار.
قائمة الشهداء المبعدين:
1. سالم ذويب – بيت لحم
2. خالد النجار – رام الله
3. ياسين ربيع – رام الله
4. خويلد رمضان – نابلس
5. فرسان خليفة – طولكرم
6. محمد حمادة – القدس
7. طارق حليسي – القدس
8. عبد الناصر حليسي – القدس
9. زكريا نجيب – القدس
10. فادي دويك – الخليل
11. نضال أبو شخيدم – الخليل
12. عبد الله أبو سيف – الخليل
13. جبريل جبريل – قلقيلية
14. يوسف أبو عادي – رام الله
15. عبد الفتاح معالي – سلفيت (مبعد كنيسة المهد)
16. محمد الكيلاني – طوباس
17. عبد العزيز صالحة – رام الله
18. علي المغربي – بيت لحم
19. أبو مهيوب – نابلس
20. نمر حميدة – رام الله
21. مراد الرجوب – الخليل
22. مؤيد القواسمي – الخليل
23. مهدي شاور – الخليل
24. أيمن أبو داود – الخليل
25. بسام أبو سنينة – القدس
26. أمجد أبو عرقوب – الخليل
27. محمود أبو سرية – جنين
28. بلال زراع – رام الله
29. رياض عسيلي – القدس
30. محمود الدحبور – نابلس
31. ناجي عبيات – بيت لحم (مبعد كنيسة المهد)
استهداف ممنهج وانتقام من الرموز
إن استشهاد هذا العدد الكبير من الأسرى المحررين في غزة يؤكد أن الاحتلال لم يسقِطهم من ذاكرته الأمنية وظل يعتبرهم أهدافا مؤجلة يتربص بهم الوقت، ويخزن ملفاتهم في أدراج مفتوحة على الانتقام.
وهو لا ينفك يمارس نوعا من الإعدام غير المباشر لهؤلاء الذين نجوا من السجن فلاحقهم في بيوتهم ودفنهم تحت الركام.
هذا السلوك يعبر عن سياسة إسرائيلية ممنهجة في معاقبة الرموز النضالية حتى بعد تحررهم، وحتى وهم في مناطق محاصرة كالقطاع.
فالعقاب لا ينتهي بخروج الأسير، بل يبدأ مرحلة جديدة من التتبع والملاحقة الجسدية والمعنوية وقد يكون الموت أحيانا أقل أشكالها قسوة.
*الحرية ليست نهاية هي ولادة جديدة*
هؤلاء الشهداء لم يكونوا ضحايا قصف فقط، كانوا شهودا على أن الحرية من السجون والمعتقلات لا تنهي دور المقاوم، و تعيد إنتاجه بصورة أنقى وأصدق.
لقد مضوا كما يليق بالأوفياء، من عتمة السجن إلى فجر الشهادة، ومن زنزانة المحتل إلى تراب غزة.
تركوها مضرجة بالدم لكنها مرفوعة الجبين.
وسيظل دمهم يذكرنا أن الصفقة لم تكن النهاية، وأن الوفاء للأحرار لا يقاس بعدد من أفرج عنهم، بل بمن واصلوا الطريق حتى النهاية.