في عمق الزنازين المعتمة حيث لا يصل الضوء إلا بصعوبة يخوض رموز وقادة الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال معركة غير متكافئة ضد آلة موت ممنهجة، صُممت خصيصًا لتصفية من تبقى من ضمائر حية تمثل ذاكرة النضال الفلسطيني وإرادته.
عبد الله البرغوثي، حسن سلامة، الشيخ محمد جمال النتشة، عباس السيد، معمر شحرور، وغيرهم من قادة الحراك الأسير ليسوا مجرد أسماء تتصدر بيانات الأسر وإنما نواة الوعي المقاوم وعناوين المرحلة، وعناوين الصمود الفلسطيني خلف الجدران، يواجهون أبشع هجمة تستهدف وجودهم الإنساني والنضالي تحت غطاء الصمت الدولي والتواطؤ الأخلاقي.
حيث التعذيب الممنهج والحرمان من العلاج، والعزل الانفرادي طويل الأمد، والتجويع المتعمد حتى باتت أجسادهم تذبل يومًا بعد يوم، هي عملية اغتيال بطيئة ومقصودة تُمارس على مرأى ومسمع من عالم اختار أن يغلق عينيه.
الأسير القائد عبد الله البرغوثي صاحب أعلى حكم في التاريخ، لم يُمنح حق العلاج رغم معاناته المتصاعدة.
حسن سلامة الذي قضى سنوات في العزل الانفرادي يعاني اليوم من تدهور خطير في حالته الصحية، يُقابل بإهمال طبي متعمد، وكذلك معمر شحرور لم يتلق علاجه منذ شهر، كل هذا يشي بأنهم لا يريدون لهم الحياة.
الشيخ محمد النتشة الذي خاض معارك الإضراب عن الطعام دفاعًا عن حقوق الأسرى يُترك اليوم يصارع الألم وحده، أما عباس السيد فيُقتل بصمت بينما تراقب إدارة السجون عن كثب لحظة الانهيار الأخيرة.
هؤلاء الرجال لم يكونوا يوماً مجرد أرقام في سجلات الأسر، بل هم قناديل أضاءت الطريق لجيل كامل من المناضلين، وحملوا على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على كرامة الإنسان الفلسطيني داخل زنازين الاحتلال.
يدفعون اليوم نحو النهاية في مشهد قاسٍ يعكس وحشية الاحتلال وغياب الحد الأدنى من القيم الأخلاقية لدى المجتمع الدولي.
النكبة تتكرر داخل الزنازين
لم يعد ما يحدث مجرد انتهاك، وإنما هو جزء من حرب إبادة شاملة تستهدف الجسد والروح، وتكمل فصول النكبة الفلسطينية بشكلها الأكثر قسوة، فمن يقتل قادة الأسرى يستهدف البنية المعنوية والثقافية والسياسية لشعب بأكمله.
نداء الإنسانية
إننا في مكتب إعلام الأسرى لا نحذر فقط بل نصرخ بوجه العالم بأن القادة يُقتلون ببطء، ونحن نخسر أعمدة الصبر والثبات واحدًا تلو الآخر.
لا نملك ترف الوقت فالساعة الأخيرة قد دقّت، وكل لحظة صمت هي مشاركة غير مباشرة في الجريمة.
نحمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة القادة الأسرى ونطالب المؤسسات الدولية والحقوقية، وعلى كل صوت حر في هذا العالم أن يرفع صوته عاليًا "أنقذوا من تبقى من إنسانيتنا خلف القضبان".