كارثة صحية خلف القضبان.. المرض أداة قمع داخل سجون الاحتلال
تقرير/ إعلام الأسرى

في الزنازين المكتظة والرطبة، حيث تنعدم التهوية وتغيب شروط الحياة الأساسية، تتفشى الأمراض وتتمدد كأنها جزء من العقوبة، لا عرضًا جانبيًا. ما يجري داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي لم يعد يندرج ضمن الإهمال الطبي فحسب، بل يرتقي إلى مستوى الكارثة الإنسانية، في ظل شهادات متطابقة حول تفشٍ خطير للأمراض بين صفوف الأسرى الفلسطينيين، وحرمان متعمد من العلاج والرعاية والنظافة.

تفشي الجرب والأميبا... وأعراض غير مشخصة

من أبرز ما تم رصده خلال الفترة الأخيرة، تفشي مرض الجرب (السكايبوس) في عدد من السجون، إلى جانب عدوى الأميبا، وهي عدوى طفيلية تنتقل عبر الماء الملوث، وتُسبب إسهالًا حادًا وآلامًا معوية متواصلة. كما ظهرت أمراض جلدية غير مشخصة على أجساد العديد من الأسرى، بينهم أطفال، دون أن يلقوا أي تشخيص طبي أو صرف للأدوية.

وتقول شهادات موثوقة إن أسرى يعانون من تقيؤ مستمر، وإسهال مزمن، وهزال شديد، ما يدل على انتشار بيئة صحية ملوثة وانعدام تام للعناية الطبية داخل المعتقلات. وفي بعض الحالات، لا يتلقى الأسرى أي علاج سوى مسكنات بسيطة كـ"الأكامول"، تُصرف دون تشخيص حقيقي، لتتحوّل أجسادهم إلى ضحايا لسياسة الإهمال.

السجون الأكثر تضررًا

سجون مثل النقب، مجدو، جلبوع، وعوفر تشهد تفشيًا لافتًا للأمراض، حيث يتم احتجاز مئات الأسرى في أقسام تفتقر لأدنى شروط الصحة. في سجن "عوفر" على وجه الخصوص، سُجلت حالات مرضية عديدة بين صفوف الأطفال الأسرى، تظهر على أجسادهم أعراض جلدية غامضة ناتجة عن انعدام أدوات النظافة الشخصية، ورفض إدارة السجون تقديم العلاج أو تحويلهم إلى العيادات.

شهادات من الداخل: "جدران مبللة وأجساد منهكة"

يروي أحد المحامين ممن زار سجن النقب مؤخرًا أن الأسرى ينامون في غرف رطبة مكتظة، تكسو الجدران بقع العفن والرطوبة، ولا يُسمح لهم بتغيير أغطية الأسرة الملوثة. "كل من زرتهم كانت على أجسادهم آثار واضحة لمرض جلدي أو قرح جلدية"، يقول. "في كل غرفة، يشارك أكثر من 10 أسرى مرحاضًا متهالكًا، والمياه بالكاد تصل، والصابون أصبح ترفًا".

ضحايا بالجملة: 65 شهيدًا والعدد مرشح للارتفاع

منذ السابع من أكتوبر 2023، ارتقى ما لا يقل عن 65 أسيرًا فلسطينيًا داخل سجون الاحتلال، بينهم طفل، قضى نتيجة إصابته بمرض لم يُشخص، وتعرضه لجريمة التجويع. وقد رُصدت حالات أخرى مشابهة لأسرى تُركوا لأيام دون فحص طبي أو تدخل علاجي، حتى لفظوا أنفاسهم.

هذه الأرقام، وإن بدت مجرد إحصاءات، تحمل خلفها وجوهًا وأسماء وقصصًا لا تُروى إلا بعد فوات الأوان، حين تصبح الشهادة إعلانًا متأخرًا عن فشل العالم في التدخل.

انتهاك صارخ للقانون الدولي

وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقيات جنيف، يحق للأسرى تلقي رعاية طبية مناسبة وظروف صحية ملائمة. إلا أن ما يحدث داخل سجون الاحتلال من حرمان ممنهج من العلاج والنظافة، وترك المرضى دون متابعة، يُعد شكلاً من أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، والتي تستوجب الملاحقة والمحاسبة الدولية.

جريمة مستمرة بصمت عالمي

ما يجري في سجون الاحتلال ليس تفشيًا عابرًا للمرض، بل سياسة متعمدة لصناعة الموت البطيء، تُمارس بصمت خلف القضبان. في ظل غياب الرقابة الدولية وتواطؤ المؤسسات، تُترك أجساد الأسرى فريسةً للأوبئة، وأرواحهم تحت تهديد دائم لا تطلق فيه الرصاص، بل يُسلّط فيه المرض كسلاح قمع إضافي.

الوقت لا يحتمل الانتظار، وحياة آلاف الأسرى على المحك، في ظل سياسة تستبدل العلاج بالإهمال، والرحمة بالتجويع.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020