على أحر من الجمر كانت تنتظر أم نضال نجلها الفتى ليتحرر من سجون الاحتلال، فهو مهجة قلبها الوحيدة التي بقيت من رائحة والده الشهيد زياد العامر أحد أبطال معركة مخيم جنين والذي ارتقى بعد مطاردته عام 2002.
وبعد أن احترق قلبها ألماً على استشهاد زوجها شاء الله أن يختبر من جديد صبرها حين توفي ابنها البكر وهو في عمر ست سنوات بعد استشهاد والده؛ فتعلق قلبها بالرضيع نضال الذي كان آنذاك يبلغ من العمر أشهرا قليلة، فانصب كل اهتمامها عليه وكانت ترى من خلاله زوجها وابنها اللذين رحلا باكرا من حياتها.
ولأن الاحتلال لا بد أن يُدخل حقده في كل قصة فلسطينية انتظر الفتى ليكبر، وحين أصبح يبلغ من العمر 16 عاما اعتقله وحكم عليه بالسجن لمدة عام كامل.
وتقول أم نضال لـ مكتب إعلام الأسرى إن الاحتلال اعتقل نجلها عام 2017 وحكم عليه بالسجن لمدة عام بتهمة إلقاء كوع متفجر قرب حاجز سالم العسكري شمال جنين، وبعد تحرره في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2018 أعاد اعتقاله من جديد في ديسمبر/ كانون الأول عام 2018 أي بعد شهر واحد من تحرره.
وتوضح بأن الاحتلال وفور اعتقاله حوله للاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر، ثم تذرع بوجود اعترافات عليه لينقله بعد انتهاء الإداري للتحقيق لمدة أسبوعين عانى فيها ما عانى، وبعدها أصدر حكم عليه بالسجن لمدة أربعة أشهر.
لم يكن أمام الأم المكلومة إلا الانتظار بعد كل هذا الظلم، وأصبح تاريخ الثلاثين من أغسطس/ آب 2019 هو التاريخ المنشود لعودة الغالي الذي ربّته يتيماً، ولكن الاحتلال أبى للفرحة أن تكتمل.
وتشير إلى أنه في يوم الإفراج قام الاحتلال بتحويل نجلها من جديد إلى الاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، وهنا تجدد الألم والحزن ولم تجد أمامها سوى الدموع.
وتضيف:" كنت أنتظر بفارغ الصبر تحرره؛ ولكنهم حرموني هذه الفرحة وشعرت بضيق شديد وبدأت بالبكاء والدعاء لله أن يعطيني الصبر، فأنا لم أفرح بحريته إلا شهرا واحدا وهي مدة غير كافية كي أعوض غيابه عني".
الفتى نضال غاب عن دراسته خلال هذه الاعتقالات لم يكن أمامه سوى أن يتقدم لامتحانات الثانوية العامة في الأسر، ولكن مرضه زاد من سوء أوضاعه.
وتبين أم نضال بأن نجلها يعاني منذ صغره من تلف جزئي في إحدى رئتيه ولكن هذا الأمر لم يشفع له أمام سجون الاحتلال الظالمة، حيث يحتاج لعلاج ومتابعة مستمرة وهو ما يفتقر إليه السجن ضمن سياسة الإهمال الطبي المتعمدة.
مناشدة مقهورة
ولا تجد أم نضال أمامها إلا المناشدات علها تساعد في الإفراج عن فلذة كبدها وعلاجه وعودته إلى حضنها حيث الملاذ الآمن، ولكن في قاموس الاحتلال فكل ذلك شبه مستحيل لأن الهدف هو القهر الأكبر.
وتقول إنها لم تزره منذ شهرين كاملين؛ حيث كانت له زيارة مقررة يوم الخميس الماضي وتم إعادتها دون سبب عن حاجز الجلمة العسكري، ما زاد في ألمها وحرقتها على نجلها.
وتبين بأن نضال وخلال الزيارة الأخيرة له قبل شهرين بدا عليه التعب وكان يشكو من أوجاع مستمرة في صدره نتيجة الإهمال الطبي، ولكنه حاول طمأنة والدته إلا أنها شعرت بأوجاعه وعادت إلى المنزل باكية.
وتتابع:" قدمنا طلب استئناف ضد اعتقاله الإداري فتم رفضه والآن يحاول المحامي أن يعيد الطلب، ولكننا نشعر بأن الاحتلال يعتقله بشكل كيدي فلا توجد عليه أي تهمة".
وتوجه الأم رسالتها للعالم الذي يدعي الحفاظ على حقوق الأطفال؛ قائلة إنه طفل صغير ولا يجوز أن يتواجد في الأسر بل بين أصدقائه في المدرسة وفي الملعب.
ويعتبر نضال واحدا من الأسرى الأشبال الذين تتراوح أحكامهم ما بين 35 عاما وعدة أشهر إدارية، حيث تحرمهم سجون الاحتلال حياة طبيعية مع عائلاتهم وبين ذويهم وأشقائهم بتهمة وبلا تهمة.