تعرض أبناء الشعب الفلسطيني منذ بداية الاحتلال عام 1967، إلى أكثر من مليون حالة اعتقال، ومازالت الاعتقالات مستمرة، وقد وصل عدد الأسيرات والأسرى إلى ما يزيد عن ستة آلاف في أكثر من 26 منشأة اعتقالية، بين مركز توقيف ومركز تحقيق وسجن ومعتقل.
الشعب الفلسطيني اعتاد طقوساً عمرها أكثر من نصف قرن لزيارة الأسرى، فلا يخلو بيت فلسطيني إلا وعاش طقوس زيارة الآباء والأمهات والأبناء والزوجات لأسراهم.
المحرر سامح سمحة من سكان بلدة جيوس شمال شرق قلقيلية، عاش تجربة الأسر، واليوم يزور نجله أسيد المعتقل في سجن مجدو، يقول" خلال توجهي لزيارة ابني أسيد لم أنم الليلة التي سبقت يوم الزيارة، فكل المشاعر تجمعت في آنٍ واحد، وتزاحمت في قلبي ومخيلتي، ومصلحة السجون تحرمنا اليوم من اصطحاب الأغراض من مأكولات ومشروبات وملابس، فهذه أصبحت من المحظورات".
يقارن المحرر سمحة بين إجراءات الزيارة اليوم وإجراءات الزيارة قديماً حين كان معتقلاً لدى الاحتلال، يقول" في أيامنا عندما كانت السجون تدار من قبل الجيش وليس من الشاباص، كانت المأكولات تدخل والمشروبات وكل شيء يريده الأسير، وكانت الزيارة ليست كما هي اليوم من خلف ألواح زجاجية وهاتف مراقب، بل كانت من خلف شبك فيه فتحات يكون فيه الصوت مسموعاً".
ويضيف" اليوم الزيارة مقيدة بقيود عنصرية لا تطاق، فهي تحت المجهر، ولا يستطيع الأسير وعائلته التحدث بحرية خلالها، فكل شيء مراقب، والعدد كبير في قاعة الزيارة، ومع ذلك فالزيارة عبارة عن فترة إفراج قصيرة عمرها من زمن الزيارة".
المحرر المريض عبد الناصر رابي، عايش إجراءات الزيارة منذ الانتفاضة الأولى حتى شهر تموز الماضي يقول" إجراءات الزيارة التي كانت في السابق انقلبت رأساً على عقب، فبدلاً من أن تصبح الزيارة عامل تخفيف على الأسير وعائلته، أصبحت سيفاً مسلطاً على رقابهم، فنصف الأسرى يتم منعهم من الزيارة العائلية بشكل مزاجي، ومن تتاح له فرصة الزيارة تفرض عليه مصلحة السجون قيوداً، وتعيش عائلة الأسير طقوس الزيارة في الخيال قبل الواقع فالحرمان له أثر مؤلم، وعندما تحرم العائلة من الزيارة تكون الصدمة".
عائلة أقدم أسير في قلقيلية، محمد داود ولذي دخل عامه الاعتقالي ال32، تعتبر الزيارة جزءاً أساسياً في حياتهم بل هي كل حياتهم، يقول وائل داود، شقيق الأسير محمد داود" الزيارة بالنسبة لنا قطعة أساسية في حياتنا فهي مرتبطة بشقيقي ووالدتي التي وافتها المنية يوم زيارتها له في أسره، وعلم بوفاتها من الزائرين وكانت النكسة"
في كل زيارة تتذكر عائلة الأسير داود هذا الأمر، يقول شقيقه" هناك حرمان بسبب السجن وحرمان آخر نتيجة الموت قهراً وكمداً على اعتقال محمد، ولم تتغير طقوس الزيارة بالنسبة لنا، وقد زرت شقيقي في أغلب السجون، فكنت أتنقل من سجنٍ إلى آخر".
في منزل الأسير عباس السيد في مدينة طولكرم، تقول الزوجة إخلاص صويص" نحن كزوجات أسرى نعتبر الزيارة حدث وموعد هام، والمخابرات الإسرائيلية تعلم مدى أهمية الزيارة بالنسبة لنا، لذلك تلجأ إلى خطوات عنصرية ومؤلمة في آنٍ واحد، فزيارة عيد الأضحى كانت بالنسبة لي زيارة فارقة بكل ما تعنيه الكلمة، وقبل الزيارة بيوم لم أنم وكنت أعد الدقائق والثواني، وعندما توجهت إلى معبر الطيبة مع عائلات الأسرى كانت الطامة الكبرى والكارثة غير المتوقعة".
توضح إخلاص صويص" تم تمزيق تصريحي بعد مصادرته وأجبرت على العودة وأنا أجر في نفسي ذيول الخيبة، فالاحتلال تعمد قهري وقهر زوجي في الأسر، ومنعت من حق الزيارة رغم وجود تصريح أمني لدي صادر عن الصليب الأحمر ومنذ العام 2002 بالنسبة لي وطقوس الزيارة مرهونة بإجراءات عنصرية، وتزداد تعقيدا".