جاء يوم الحرية بعد سبعة عشر عاما، كان اليوم المنتظر لعائلة الأسير محمد محمود بشارات (41 عاما) من بلدة طمون قرب مدينة طوباس شمال الضفة المحتلة، حيث عمت الزغاريد أرجاء البلدة وتواصلت التحضيرات لاستقباله.
ولكن هذا اليوم لم يكن كما تخيلته العائلة؛ فالأسير الذي كان يتمتع بصحة جيدة وبجيد قوي البنية تحرر وهو في أسوأ حالة صحية، حيث بدأ مرض السرطان ينهش جسده منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي في ظل دوّامة من الإهمال الطبي المتعمد.
وبمجرد الإفراج عنه في بداية شهر يوليو 2019 شرعت العائلة بإجراء المعاملات اللازمة كي يتم نقله للعلاج، ولكنها تفاجأت بالمماطلة وعدم صدور التحويلة حتى الآن، ليبقى منتظراً فوق انتظار السجون وألم الجسد.
ويقول شقيقه المحرر طارق بشارات لـ مكتب إعلام الأسرى بأن معاناة الأسير المحرر محمد بدأت منذ شهر يناير الماضي حين أصبح جسده يرفض الطعام، حيث كلما تناول أي طعام يتقيأه على الفور وهكذا حتى خسر من وزنه 20 كيلوغرام، بينما لم تكترث مصلحة السجون لهذه الحالة وبقيت مصممة على عدم الاهتمام بحالته.
ويوضح بأن كثرة التقيؤ أدت إلى ألم حاد في معدة شقيقه، وفي بعض الأحيان كان يغيب عن الوعي وسط تجاهل إدارة السجن، ولكنه في أحد الأيام هدد بدخول الإضراب عن الطعام إذا لم تستجب لعلاجه.
وهنا وجد الاحتلال نفسه مجبرا على نقل الأسير للمستشفى وإجراء فحوصات له، لتتبين إصابته بمرض السرطان في الغدد ما يسبب له مضاعفات كثيرة منها آلام المعدة والظهر والرأس والصدر بشكل متواصل.
ويضيف:" بعد صدور نتائج الفحوصات أعادت إدارة السجون شقيقي إلى سجن الرملة ولم تعطه أي علاج، رغم أن الملفات الطبية تظهر إصابته بالمرض منذ عام وبدء أعراضه منذ ستة أشهر، بل اكتفت بمسكنات الألم والتي لا تسمن ولا تغني ولا تضع حدا لمعاناة الأسرى المرضى".
المحرر بشارات لا يقوى على الحركة الآن ولا الكلام ولا حتى البقاء يقظا، فيستقبل المهنئين بحريته وهو جالس على الكرسي ولا يقوى على البقاء معهم أكثر من دقائق ليعود إلى غرفته للنوم، حالة مأساوية لأسير أمضى من عمره 17 عاما فداء لوطنه.
ويتحدث شقيقه طارق عن صنوف العذاب التي تمكن المحرر بشارات من نقلها لعائلته رغم وضعه الصحي، حيث أخبرهم أن مستشفى الرملة هي مقبرة وتحتوي الكثير من الحالات المأساوية التي يقابلها الاحتلال فقط بالمسكنات، فالأسير الذي يعاني من الشلل يعطونه المسكنات وهي ليست أكثر من "أكامول".
وخلال الحديث يقول طارق إن ابن عمه الأسير محمد سعيد بشارات والذي أمضى 18 عاما في سجون الاحتلال ومن المتوقع أن يتحرر خلال عشرين يوما، عانى منذ أشهر من فشل كلوي ومر بنفس الحالة التي مر بها كل أسير مريض من إهمال وتجاهل.
ويوضح بأنه بعد أشهر من العذاب تم نقله لإجراء الفحوصات اللازمة ليظهر الفشل الكلوي، فيتم نقله إلى سجن الرملة ويُعطى المسكنات فقط، وحين تم أخيرا التوصل لحل طبي بعملية جراحية لزرع كلية له بتبرع من شقيقه قبل شهرين أخبرته إدارة السجون بأنها لن تجريها له بسبب الإفراج عنه بعد شهرين، حيث أخبرته حرفيا "اذهب للعلاج بعد أن تخرج من السجن وليس عندنا".
طارق تحدث معنا وهو ينتظر في أروقة مستشفى النجاح بينما ينام المحرر بشارات على أحد كراسي الانتظار، معاناة تحمل الكثير من المعاني القاسية، فالمماطلة لا يجب أن تتم بحق هؤلاء المقاومين الذين أفنوا أعمارهم في السجون.
ولا يجد شقيقه إلا المناشدة لحمعيات حقوق الإنسان وكل من يهمه الأمر بضرورة التحرك العاجل لإنقاذ المحرر محمد وغيره من الأسرى المرضى الذين يموتون في كل يوم بآلامهم وأوجاعهم.