تتجدد حكاية منع الزيارات عن عائلات الأسرى الفلسطينيين كي يكوي السجان قلوبهم ويزيد من لوعة الفراق قدر الإمكان، فمنهم من رحل عن الدنيا دون أن ينعم بلحظة حرية ابنه الأسير؛ ومنهم من غزاه المرض حزنَ يعقوب على يوسف وما زال بانتظار عودته، أما الاحتلال فيراقب بسعادة هذه العذابات كي يشبع حقده الدفين.
ولكن حكاية عائلة الأسير المقدسي فهمي مشاهرة (٤٠ عاما) تنوعت فيها آلام الفراق وتجبّر السجان، فمعاناتها ممتدة منذ ١٧ عاما حين اعتقل وحكم بالسجن المؤبد عشرين مرة تاركا خلفه زوجةً وطفلين لم يفهما حينها معنى السجن؛ ووالديْن مكلوميْن أثقلهما الحزن عليه وعلى شقيقه الأسير رمضان مشاهرة الذي اعتقل في الفترة نفسها وحكم بالمدة ذاتها.
زيارة دون زيارة
الأسيرة المحررة سامية مشاهرة "أم عبيدة" زوجة الأسير القسامي فهمي مشاهرة اعتقلت عام ٢٠١٥ وتحررت عام ٢٠١٦؛ وبعدها لم تتمكن من زيارة زوجها الأسير بسبب رفض الاحتلال إعطاءها تصريحا لزيارته، وخلال هذه الفترة رزقها الله بطفلهما "عيد" الذي جاء إلى الحياة عن طريق النطف المهربة.
وتقول أم عبيدة لـ مكتب إعلام الأسرى إن الاحتلال يحاول دائما تنغيص الحياة على عائلتها؛ حيث منعها من الحصول على تصريح للقاء زوجها بعد الاعتقال، ولكن كانت قدرة الله أقوى من حقدهم بأن قدّر زيارة أخرى غير عادية.
وتضيف:" لأنني أنجبت طفلتي عزيزة وطفلي عيد عن طريق النطف المهربة فمن حق زوجي إثبات أنهما طفليه عن طريق فحص الحمض النووي "الدي إن إيه" وهما كذلك وتقديم الأمر للمحكمة للتنسيق ما بين السجن والمستشفى وكأنه أراد إجراء الفحص من أجل اللقاء فقط، فكان موعد الفحص في إحدى مستشفيات الاحتلال قبل أسبوع من عيد الفطر السعيد، ولكننا ذهبنا للزيارة بملابس العيد لأن هذا بالفعل هو العيد بالنسبة لنا، دخلنا المستشفى ووجدنا زوجي محاط بالسجانين ولكننا نسينا هذه التفاصيل الشائكة حين احتضن أطفاله وحين رأيته للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات ودرست تفاصيل وجهه الأسير الذي حُرمنا منه لما يقارب العقدين، كان لقاء حميمياً دافئا فيه الكثير من الفرح بعد العناء والحرمان، وكانت شقيقة زوجي معنا احتضنته للمرة الأولى منذ ١٧ عاما".
اللقاء الذي كتبه الله تعالى لهذه العائلة الصابرة من رحم ألمها ومعاناتها كان بمثابة الإنعاش لقلوب كل أفرادها ابتداء بالأسير وليس انتهاء بالطفل عيد الصغير الذي لم يتجاوز بعد سبعة أشهر من عمره.
قهرٌ ممنهج
العائلة لا تعاني فقط من منع الزيارات بل إن الاحتلال يرفض إعطاء بطاقات هوية لأفرادها الذين يحملون فقط شهادات ميلاد مقدسية، وهو الأمر الذي يعرقل الزيارة وكل شيء في حياتهم.
وتوضح أم عبيدة بأن أبناء الأسير ووالدته توجهوا قبل أيام لزيارته في سجن "إيشل" ولكن السجان رفض إدخالهم بحجة عدم وجود بطاقات هوية، وحينها رفضت والدته زيارته للضغط على الاحتلال الذي استغل الفرصة وطرد العائلة دون أن يتمكن أي منها من الزيارة حتى الوالدة المسنّة التي كانت أجرت عملية جراحية في ساقها وتكبدت عناء الوصول إلى السجن.
وتتابع:" عاد عيد وعزيزة من الزيارة دون أن يريا والدهما الذي كان في انتظارهما بفارغ الصبر، وهذا الأمر نحن نعلم ما يُحدث في نفس الأسير من تعب وقهر ولكنه الاحتلال ونسأل الله تعالى أن يكون اشتداد الأزمة بعده الفرج".
أما فيما يتعلق ببطاقات الهوية فأثر هذا الأمر على حياة الابنة الكبرى زينة (١٨ عاما) التي تركت دراستها الجامعية بسبب معاناتها من عدم وجود هوية معها، كذلك عبيدة (١٧ عاما) الذي ترك دراسته في مدارس القدس للسبب ذاته، ما يقلق الوالدة التي أمضت كل هذه الأعوام في تربيتهما وتعليمهما كي يحوزا على الشهادات الجامعية، وهو ما يعطي السجان فرصة دنيئة لحرمانهما أحيانا من الزيارة.