تختلف الأجواء الرمضانية في منازل عائلات الأسرى عن العلائلات الأخرى، فجرح الأسر غائر في النفوس والقلوب، والمشاعر تلاطمها أمواج القهر والظلم من السجانين، في صورة سادية لم يعرفها التاريخ من قبل.
في قلقيلية المنكوبة، تعيش عائلات الأسرى نكبة إضافية عند السحور ومائدة الإفطار والذهاب إلى صلاة التراويح والقيام بالزيارات العائلية، فهذه المحطات تشعل القلوب حزناً وكمداً على غياب أبنائهم في غياهب السجون، فينتظرون فسحة الأمل والإفراج.
عائلة الأسير الطفل أحمد عيسى صبري الموقوف في قسم الأطفال في سجن مجدو، تتحدث لمكتب إعلام الأسرى عن معاناةٍ يتسبب بها الاحتلال، تقول الزوجة أم أحمد" ابني أحمد طالب في الصف الحادي عشر وهو البكر في أولادي الأربعة، وكان منهمكاً قبل اعتقاله بدراسته في الفرع الصناعي، إلا أن الاحتلال قبل أكثر من شهر داهم المنزل، واعتقله وأخضعه للتحقيق، وبعدها نقله إلى سجن مجدو".
وأضافت أم أحمد" الاحتلال كان قد أفرج عن الأسير أحمد بعد اعتقالٍ استمر ستة أشهر في شهر تشرين ثاني الماضي، وبعد أشهر قليلة أعاد اعتقاله، وفي رمضان لا أشعر بأي شيء، فاعتقال ابني أحمد جعل حياتنا محطة عذاب لا تطاق، الكل مصدوم من اعتقاله وإعادة محاكمته، فهو لم يفعل شيئا حتى يعاد اعتقاله".
تصف أم أحمد علاقة العائلة بشهر رمضان في استثماره في الإلحاح بالدعاء إلى الله تعالى، تقول" نحن كعائلات أسرى لا نملك إلا الدعاء لأولادنا، والفرحة برمضان تغيب عنا فهي ممزوجة بعذابات الأسر".
في قرية اماتين شرق قلقيلية، تفتتح عائلة الأسيرة أنسام ناصر شواهنة شهر رمضان بالدعاء والبكاء في جوف الليل، فهي الوحيدة من بين الأبناء، وهي أيقونة الحياة بالنسبة للعائلة.
والد الأسيرة أنسام شواهنة المحكومة خمس سنوات، ناصر شواهنة قال لمكتب إعلام الأسرى" نتذكر أنسام وهي تقود البيت في شهر رمضان، فهي صاحبة عطاء وكانت تقوم بتعليم أحكام التجويد لبنات القرية بمجموعات يزيد عددها عن 120 طالبة في المسجد، وهي متفوقة في امتحان الثانوية العامة وفي الجامعة، والكل يذكر أنسام بعلمها وعطائها وحبها للجميع، وهي تركت فراغاً لا يوصف".
يضيف شواهنة" في المنزل يتذكرها إخوانها ووالدتها في شهر رمضان، حيث كانت تقوم على إعداد وجبة السحور والإفطار مع والدتها، وتحرص على تناول الجميع الطعام، وتحاول إظهار إبداعاتها في صناعة الطعام، وعند التجمع حول مائدة الإفطار يتذكر الجميع مكان أنسام داخل السجن، وهي البعيدة عنهم، فالاحتلال يعاقبنا جميعاً باعتقالها، وقد حرمها من حياتها التعليمية التي كانت تتصدر فيها المرتبة الأولى، وفي شهر رمضان يحرمها مع الأسيرات من العيش في الأجواء الرمضانية مع عائلاتها".
وفي منزل أقدم أسير في محافظة قلقيلية، وهو الأسير محمد داوود "أبو غازي"(58عاماً) يقول شقيقه الأكبر وائل داود لإعلام الأسرى" 32 عاماً لم يشهد شقيقي أجواء رمضان في الخارج مع عائلته، وفارق والديَّ الحياة وهما يتمنيان أن يكون معنا في شهر رمضان والأعياد، وجميع أفراد العائلة يحزنون في شهر رمضان على فراقه وحرمانه من الحياة في الحرية".
يضيف داود" الكل يتساءل، ألا تكفي مدة 32 عاماً من القهر والحرمان، ألا تكفي ليتنسم شقيقي الأسير محمد الحرية كي يمضي بقية حياته معنا، فقد هرم داخل الأسر، ولم يبق سوى أمل الحرية ليعوضه عما فات".