تتواصل الإرادة الفلسطينية تشق طريقها في قلوب الأسرى وتحط معادلات كرامة جديدة عجزت عنها جيوش عربية على مدار عشرات السنين، بل إن مصطلح الكرامة أصبح غير مقتصر على حالة بعينها طالما يطالب الأسير بحقه في الحرية.
ولأن الاعتقال الإداري يسرق من أعمار الأسرى حياة بأكملها ويحرمهم دفء عائلاتهم وضحكات أطفالهم وعملاً يسترزقون منه أو دراسةً يكملونها؛ كانت الثورة عليه من جديد بالإضراب المفتوح عن الطعام، فهو السلاح الأوحد والأنجع لمواجهة قرارات الاحتلال الجائرة ومنها الإداري الذي لا يستند إلى تهمة ولا محاكمة.
حياة منقوصة
ومن بين مجموعة الأسرى الأخيرة التي دخلت الإضراب عن الطعام ضد الاعتقال الإداري كان الأسير عودة الحروب (٣٢ عاما) من بلدة دير سامت جنوب غرب الخليل، والذي دخل شهره الثاني في الإضراب رفضا لمزاج مخابرات الاحتلال في فرض الإداري عليه دون مبرر.
وتقول زوجته أم ضياء لـ مكتب إعلام الأسرى إن قوات الاحتلال اعتقلت زوجها في الثاني من ديسمبر الماضي بعد مداهمة منزله والتنكيل بالعائلة، وعلى الفور حولته للاعتقال الإداري لمدة أربعة أشهر.
وما إن انتهت الأشهر الأربعة حتى جدد الاحتلال اعتقاله إدارياً دون أي تهمة ولا حتى محاكمة، فقط تم إبلاغه بالتجديد ليعيش ألما مستمرا وقهراً لا نهاية له.
وتوضح الزوجة بأنها تلقت اتصالا مؤخرا من هيئة الصليب الأحمر تبلغها بأنه تمت زيارته من قبل طاقم الهيئة، حيث أبلغوها بأنه متعب جدا ومتواجد في عيادة سجن الرملة ولا يقوى على الحراك، بينما طلب أن يبلغوا عائلته أنه بحاجة إلى محامٍ كي يزوره ويتابع ملفه في المحاكم الصهيونية.
وتضيف:" الاحتلال يمنع زيارة المحامي عن زوجي وهو لا يكترث بوضعه الصحي فنحن قلقون عليه للغاية، حاولنا الاتصال بعدة مؤسسات ولكننا لم نتلق جوابا شافيا حول وضعه الصحي وهذا أبسط حق لنا أن نعرف ما هي حالته الصحية، فلماذا يتكتم الاحتلال عليها ولماذا يمنع زيارة المحامين عنه؟".
وتشير الزوجة إلى أن الاحتلال احتجز زوجها في ظروف قاسية في زنازين العزل الانفرادي طيلة فترة إضرابه؛ بينما يجب أن ينقله الآن إلى مستشفى مدني ولم يفعل، حيث أن وضع أي أسير مضرب بعد ٣٥ يوما من الإضراب يكون صعبا ومتدهورا بالتأكيد.
معاناة ممتدة
الأسير الحروب يعتقل للمرة الأولى تحت إطار الاعتقال الإداري البغيض ودون أي تهمة ما دفعه لإعلان إضرابه مبكرا، ولكنها المرة الرابعة في سجون الاحتلال التي اقتطعت جزءا كبيرا من حياته مع عائلته.
وتقول زوجته بأنها في آخر زيارة له لاحظت عليه القهر الشديد من استمرار اعتقاله إداريا ودون أي تهمة، فسألته ما به حتى أخبرها أنه يفكر بدخول الإضراب المفتوح عن الطعام رفضا لهذا النوع من الاعتقال.
خمس سنوات أمضاها الأسير مجتمعة في السجون الظالمة، ولكن الأمرّ أن الاحتلال لم يكن يدعه وشأنه فيعتقله قبل أن يكمل عاما واحدا بين أطفاله العشرة الذين يبلغ أكبرهم من عمره ١٣ عاما فقط.
وتتابع أم ضياء:" لم أصدق ما سمعته منه عن الإضراب وشعرت بالحزن الشديد أننا وصلنا هذه المرحلة، فالاحتلال لم يدع له خيارا آخر وهذا يعتبر سلاحه الوحيد".
ومع بدء شهر رمضان المبارك تعيش العائلة أصنافا أخرى من القهر، فعلى ماذا سيفطر الأسير المضرب سوى رشفة من الماء؟! وكيف سيمر هذا الشهر عليه والذي حرمه منه الاحتلال مرارا حتى بات رمضان الماضي الأرل الذي يقضيه مع عائلته منذ ست سنوات.
وتبين الزوجة بأن الاحتلال حرم الأسير كذلك من ممارسة عمله، حيث كان يعمل في التجارة ولم تترك له الاعتقالات أي مجال لمواصلة العمل بحرية فمنذ خمس سنوات وهو لا يتمكن من ذلك، كما تصف حال والدة الأسير والتي تبكي كل يوم على حاله ولا يكاد يجف دمعها قلقة على صحته.
وتختم قائلة:" مهما شعرنا من ألم فهذا خياره وهذا سلاحه ليواجه اعتقالا جائرا، فأطفاله الصغار لم يعودوا يعرفوه وينادون أعمامهم بكلمة بابا لأنهم حرموا وجود والدهم فأي حياة هذه؟، الإضراب الآن هو فخر لزوجي ولنا جميعا مهما كانت المصاعب".