لم تعد ذاكرة شقيقة الأسير فواز سبع فايز بعارة (47عاماً) من سكان مدينة نابلس، تحمل القدرة على تذكر سنوات شقيقها المختلفة جداً في الأسر، حين اكتشف إصباته بالسرطان، وحين فقد القدرة على استشعار نعم ثلاثة من حواسه، وحين أصيب فوق كل هذا بمرض القلب، لكن الشيء الذي تتذكره جيداً هو الرزم المتكدسة من أمراض شقيقها التي تتفاقم في كل يوم، ولا تملك هي إلا أن ترسل مناشدةً لأي أحدٍ يستطيع أن يفعِّل من قضية شقيقها.
في ذاكرة أم سمير بعارة المتعبة، تتواجد مشاهد دخول شقيقها في زيارتها له، هذه المشاهد لم تغادر كما السنوات، لا يزال مشهد دخوله مستنداً على أكتاف الأسرى في أحد زياراتها له موجوداً، ولا يزال صوته الخافت في الزيارة الأخيرة وتعبه ماثلاً في ذهنها، وقدرته على أن يبدو بخيرٍ أمام ابنته آية لا يغادر ذهنها.
الحظات الأولى
قبل ثماني سنواتٍ تقريباً وتزامناً مع اكتشاف مرض السرطان لدى الأسير فواز بعارة، أجريت له عملية في منطقة الرقبة تحت أنظار الاحتلال، وبدلاً من أن تخفف العملية من مرضه زادت وضعه الصحي سوءاً.
عقب العملية أصيب الأسير بعارة بخللٍ في ثلاثة من حواسه الرئيسية، تقول شقيقته" لم يعد يملك القدرة أن يستعشر طعم ما يأكل، فقد قدرته على التذوق ولأجل ذلك فإن نوع الأطعمة التي يأكلها محدودة للغاية، كما أنه أصيب بخلل في حواسه في المنطقة اليسرى من رأسه، فلم يعد يسمع جيداً في أذنه اليسرى، كما ولم يعد يرَ جيداً في عينه اليسرى أيضاً".
السرطان الذي يعاني منه الأسير بعارة لا يزال مجهول النوع بالنسبة لعائلته حتى الآن، لكن العملية التي أجريت له في الرقبة أشارت إلى أن السرطان يتواجد في منطقة الرأس والرقبة لديه، لكن ما يقتل عئلته هو العملية التي أجريت له حال اكتشاف السرطان في منطقة الرقبة قبل ثماني سنوات، وأحدثت له كل هذه الرزم من الأمراض، ووصلت إلى أن سببت قصراً في قدمه.
علاوةً على ذلك، أصيبت عضلة قلب الأسير بعارة لاحقاً باختلال، ونتيجة ضعفها تم إجراء عملية أخرى له، وركبت بطارية لقلبه لتحسين وضعه الصحي قليلاً.
عملية رابعة
حتى بعد ثماني سنوات من الألم والقهر وانتظار العائلة للأخبار التي تصلهم عبر المحامي، لم تنتهِ سلسلة آلام ابنهم فواز، تقول شقيقته" أجريت له عملية قسطرة قبل فترة قصيرة، وأنا زرته قبل أسبوعٍ تقريباً، وعلمت منه في الزيارات اللاحقة بأن وضعه الصحي ساء بعد زيارة العائلة الأخيرة له قبل أسابيع، فقد بقي لمدة ستة أيام غير مدركٍ لما يجري من حوله لشدة آلامه".
تتابع شقيقة الأسير بعارة حديثها فتقول" نقل عقب ستة أيام إلى المستشفى، وبعد عمل فحوصات له لا نعلم نحن ولا هو نتائجها، اتضح أنه سيحتاج إلى إجراء عملية قلب مفتوح طبقاً لهذه النتائج، وإن حدث وأجريت له العملية ستكون إما في العفولة كما تم إبلاغه أو في الرملة حيث يتواجد، وسيحتاج إلى ثلاث أو أربع أشهر نقاهة بعد العملية في المستشفى".
بإجراء عملية القلب المفتوح ستكون هذه العملية الرابعة التي تجرى للأسير بعارة منذ اكتشاف السرطان لديه قبل ثماني سنوات، وتجهل عائلته حتى اللحظة تفاصيل الفحوصات التي تجرى له ونتائجها، وكل ما يصلهم من أخبار شحيحة عن طريق الأسرى المحررين وتواصل محاميه يؤكد لهم بأن وضعه الصحي يزداد سوءاً.
تقول شقيقته" علمنا بنقله من سجن جلبوع إلى مستشفى الرملة قبل أيام، وقد أبلغنا أحد الأسرى الذين تحرروا من ذات قسمه بأن وضعه الصحي سيء وبأنه بحاجة إلى إدخال كانتينا له، ونحن ننشاد أصحاب الضمائر الحية لتفعيل قضيته".
3 أبناءٍ وذكريات
بعيداً عن جسد الأسير بعارة المليء بالآلام والأمراض، ينتظر لقائه ثلاثة أبناء وزوجة وعائلة وأبٍ بصحةٍ سيئةٍ أيضاً، جعفر(25عاماً) ناصر(24عاماً) وآية(18عاماً) ثلاثة أبناء للأسير بعارة ينتظرون حريته بفارغ الصبر وتتراكم لحظات الفرح والحزن من أعمارهم بعيداً عنه، ويحتاجون أن ينال حريته إليهم حياً.
والد الأسير بعارة لم يعد يحمل القوة لزيارته، قدرته على السير واللحاق بابنه بين السجون المختلفة التي ينقله إليها الاحتلال اختفت، وسيرهق كاهله معرفة أخبارٍ جديدة حول الوضع الصحي المتهالك لنجله، خاصةً بعد أن توفيت زوجته وبقي ينتظر حرية نجله وحيداً.
الأسير بعارة يواجه حكماً بالسجن المؤبد المكرر ثلاث مرات، إضافة إلى 35 عاماً أخرى، اعتقله الاحتلال بتاريخ 20/10/2004، وأمضى 15 عاماً من عمره أسيراً، وثماني أعوامٍ مريضاً، يستهلكه العلاج الكيماوي وملف فحوصاته المجهول وتنقله الدائم بين السجون والمستشفيات وعيادات السجون، وكغيره من الأسرى المرضى أصحاب الملفات الطبية المستعصية كل ما يريده هو أن ينال حريته حياً.