لا يمكن أن يتجاوز أحد في الضفة المحتلة تلك الشخصية القيادية التي بذلت الكثير من وقتها وجهدها في خدمة القضية دون انتظار تكريم أو أوسمة شرف أو بيانات مدح وشكر، فكان العمل المتواصل للتعريف بمعاناة الأسرى هو عنوانها الوحيد.
المهندس وصفي عزات قبها (59 عاما) من بلدة برطعة غرب مدينة جنين شمال الضفة، اسمٌ تطرب له آذان المظلومين إذ كان نصيرهم في وقت عز فيه النصير، ودفع لأجل ذلك سنوات في الأسر دون أن يتراجع أو يكل عن واجبه سواء حين كان وزيرا لشؤون الأسرى في الحكومة العاشرة أو بعد وقبل ذلك.
اعتقالات انتقامية
في الخامس من شهر يوليو الماضي اقتحمت قوات الاحتلال منزل قبها في مدينة جنين واعتقلته وحولته للاعتقال الإداري ما شكل صدمة للشارع الفلسطيني الذي استقبله محررا قبل أربعة أشهر فقط بعد اعتقال دام 13 شهرا.
وتقول زوجته أم أسامة لـ مكتب إعلام الأسرى إن الجنود يومها لم يفتشوا المنزل بل قاموا بحركة استفزازية حين قال أحدهم لزوجها "ارتدِ ملابسك وهيّا" مشيرا له بيده إلى باب البيت ثم اقتادوه إلى آلياتهم العسكرية المحاصرة للبناية السكنية وبعد أيام قليلة تم تحويله للاعتقال الإداري مدة خمسة أشهر تم تجديدها مرة أخرى قبل انتهائها.
رحلة الاعتقالات بدأت بحق المهندس عام 1989 ليقدر مجموعها ما يقارب 14 عاما ما بين أحكام عادية واعتقالات إدارية كانت هي الغالبة؛ حيث كان يمضي ثلاثة أعوام أو عامين في اعتقالاته الإدارية التي تفرض عليه دون محاكمة ولا تهمة.
وتوضح أم أسامة بأن سنوات الاعتقال هذه سلبت من العائلة لحظات فرح وفوّتت على أبي أسامة مناسبات كثيرة، حيث غيبه السجن في كل مرة تصدر فيها نتائج الثانوية العامة لأبنائه ولم يحضر سوى حفلين من تخرجهم من الجامعات وتزوجت معظم بناته وهو قيد الاعتقال ما يضفي لحظات حزن لدى أفراد العائلة وأمنيات بأن يكسر قيده.
وتصف ذلك بأنه صعب للغاية خاصة عليها حين تتحمل أعباء الوالدين وحدها وتلعب دورين معاً وتفتقد شريك حياتها في لحظات عاطفية وحساسة يحتاجها الأبناء.
المهندس "الإنسان"
وفي ظل كلمة الحق التي لا تغادر مواقفه هناك الكثير من الصفات التي يجهلها العامة عن أبي أسامة الذي درس الهندسة المدنية في جامعة ديترويت بالولايات المتحدة وحصل على شهادة الدراسات العليا في دراسات المياه، ولا يعرف المعظم أيضا أنه محروم من زيارة عائلته والبقاء إلى جانب أمه المريضة.
وتقول أم أسامة إن زوجها يتمتع بصفات محببة تجعل العائلة قريبة منه دائما ولو غيبه الاعتقال؛ فهو طيب القلب وحنون جدا ويحب عائلته بشكل فائق وذو دمعة سخية لا يستطيع إخفاءها.
وضمن حلقات الظلم التي يفرضها الاحتلال عليه منعه من دخول بلدته ومسقط رأسه برطعة الغربية؛ حيث يقيم الاحتلال على مدخلها حاجزا دائما لا يتمكن من عبوره إلا أهل البلدة بتصاريح خاصة؛ وبسبب كثرة اعتقالاته على هذا الحاجز أو احتجازه والتنكيل به اضطر المهندس للسكن في مدينة جنين ويحرمه الاحتلال من دخول بلدته حيث يعيده الجنود عن الحاجز.
وتشير زوجته إلى أن والدة أبي أسامة أقعدها المرض ويتمنى البقاء قربها وخدمتها ولكن الاحتلال يمنعه؛ بينما من الصعب عليها مغادرة البلدة بسبب حالتها الصحية، علما أن كل أشقائه وشقيقاته وأقربائه كذلك يقطنون في برطعة فيحرم من رؤيتهم جميعا ومن المشاركة في المناسبات الخاصة بهم.
وكان أسامة نجله الوحيد اعتقل قبل ثلاثة أعوام لمدة 11 شهرا عقب استشهاد القسامي حمزة أبو الهيجا، ولديه ست بنات أخريات يفتقدن وجوده وعطفه عليهن.
وتتابع:" رغم كل ما مررنا به إلا أننا معه في كل خطوة لأنه صوت المظلومين ويقول كلمة الحق التي قد تضايق القريب أو البعيد ولا نقبل أن يتنحى جانبا أو أن يتخلى عن دوره".