منذ عقود يخوض الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال معركة البقاء الإنساني في مواجهة منظومة قمعية تستهدف أجسادهم وأرواحهم.
تتعدد الانتهاكات بين العزل الانفرادي، الإهمال الطبي، التجويع الممنهج، القمع النفسي والجسدي وقطع أخبارهم عن ذويهم.
يشكل الأسرى عاهد أبو غلمة ، عمر العبد ، ومحمود زيدات نماذج لهذه السياسات، حيث تكشف معاناتهم تفاصيل منظومة عقابية متكاملة تهدف إلى كسر إنسانية الأسير وإضعاف عزيمته في مخالفة صارخة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
أولا : الأسير عاهد يوسف أبو غلمة
العمر: 57 عامًا
السكن: بيت فوريك – نابلس
تاريخ الاعتقال: 14/3/2006
الوضع القانوني: محكوم بالسجن المؤبد و(5) سنوات إضافية، وأضيف له حكم لاحق بالسجن (26) شهرًا
مكان الاحتجاز: سجن جلبوع
الانتماء: من أبرز قيادات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقيادات الحركة الأسيرة
أبرز الانتهاكات :
- الإهمال الطبي: يعاني الأسير عاهد أبو غلمة من أمراضٍ متعددة، أبرزها نوبات الشقيقة التي تلازمه من وقتٍ لآخر، وتحتاج إلى علاجٍ وظروفٍ هادئة لا تتوفر في السجن. كما عاد إليه مؤخرًا المرض الجلدي (السكابيوس) بعد تعافيه منه سابقًا، دون أن يتلقى أي علاج فعلي. تعرض خلال تنقلاته بين السجون للضرب المبرح، ما تسبب له بكسور في الصدر وخلع في الكتف وتورم شديد في يده، ولم تقدَّم له سوى مسكنات محدودة بعد نقله لمستشفى العفولة وإعادته في اليوم نفسه.
- القمع والعزل: يواجه سياسة قمع متواصلة في سجن جلبوع، حيث تقتحم القوات غرف الأسرى بشكل متكرر وتنفذ عمليات تفتيشٍ وإذلالٍ مستمرة.
- الحرمان من الزيارات: تشير زوجته إلى صعوبة متابعة أخباره في ظل تراجع زيارات المحامين إلى سجن جلبوع خلال شهري سبتمبر وأكتوبر بسبب أعياد الاحتلال.
- الجانب الإنساني: متزوج وله ولدان، قيس وريتا، كانا طفلين صغيرين عند اعتقاله وما زالا ينتظران لقاءه الأول بعد ما يقارب عقدين. يحمل شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت، ودرجة الماجستير في الدراسات الإسرائيلية.
ثانيا : الأسير عمر عبد الجليل العبد
العمر: 27 عامًا
السكن: بلدة كوبر – رام الله
تاريخ الاعتقال: 21/7/2017
الوضع القانوني: محكوم بالسجن المؤبد 4 مرات
مكان الاحتجاز: سجن نفحة الصحراوي
الانتماء: أحد أبناء الحركة الأسيرة ومن رموز الصمود بين الأسرى الشباب
أبرز الانتهاكات :
الحرمان من الزيارة والتواصل:
منذ اندلاع الحرب، تنقطع أخبار الأسير عمر العبد تمامًا عن عائلته، فلا يُسمح لهم بزيارته، وتندر زيارات المحامين إلى سجن نفحة. والدته تؤكد أنها لم تره منذ ثلاث سنوات بسبب مرضها، وأنهم يعرفون أخباره فقط عبر الأسرى المحررين.
سياسة التجويع والتنكيل:
تؤكد العائلة أن ابنها فقد أكثر من 20 كيلوغرامًا من وزنه نتيجة سياسة التجويع المتعمد التي يفرضها الاحتلال على الأسرى في السجون، إلى جانب الحرمان من الفورة والملابس الكافية ووسائل التدفئة.
العزل والإجراءات التعسفية:
يُحتجز في سجنٍ يُعد من الأشد قسوة وبعدًا، ويخضع لرقابةٍ مشددةٍ وإجراءاتٍ عقابية دائمة بسبب رمزية قضيته وتأثيره بين الأسرى.
ثالثا : الأسير محمود علي زيدات
العمر: 46 عامًا
السكن: بني نعيم – الخليل
تاريخ الاعتقال: 15/1/2024
الوضع القانوني: محكوم بالسجن المؤبد و(60) عامًا وغرامة مالية (2 مليون شيكل)
مكان الاحتجاز: سجن نفحة الصحراوي
الانتماء: من أسرى المحكوميات العالية وأحد أبرز نماذج الصبر الأسري في الخليل
أبرز الانتهاكات :
الوضع الصحي: يعاني الأسير محمود زيدات من حساسية مزمنة في الدم تتفاقم مع البرد وتسبب له حكة وجروحًا جلدية مؤلمة، دون أن يتلقى أي علاجٍ مناسب.
الحرمان من الزيارات: منذ اندلاع الحرب على غزة انقطعت أخبار الأسير كليًا، إذ لم يتمكن أي من أفراد عائلته أو محاميه من زيارته، ولا تصلهم عنه إلا شهادات مقتضبة من أسرى محررين، ما زاد من قلقهم عليه وخوفهم من مصيرٍ مجهول.
العقوبات الجماعية: عقب اعتقاله، أقدم الاحتلال على هدم وتفجير منزله عقابًا لعائلته، واعتقل ابن شقيقه أحمد زيدات الذي يقضي الحكم نفسه (مؤبد و60 عامًا)، كما يواصل الاحتلال اعتقال شقيقيه سالم ومحمد، إلى جانب ابني شقيقه طارق وأحمد، لتصبح عائلة زيدات إحدى أكثر العائلات الفلسطينية التي طالتها نيران السجون.
الانتهاكات في ضوء القانون الدولي
- المادة (20) من قواعد مانديلا تضمن للأسير الحق في غذاء كاف وصحي، بينما يتعرض القائد عاهد أبو غلمة لتجويع ممنهج.
- المادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم دولة الاحتلال بتوفير رعاية طبية مناسبة وهو ما يحرم منه الأسير محمود زيدات بشكل واضح.
الانتهاكات في ضوء القانون الدولي :
- المادة (76) من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم باحتجاز المعتقلين في ظروف إنسانية بينما يحتجز الأسير عمر العبد في وسط معيشي قاس.
- المادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة تلزم بتوفير أدوية وعلاج مناسب للأمراض المزمنة لكن الاحتلال يتعمد منعها كما فعل مع الأسير عاهد أبو غلمة والأسير محمود زيدات.
- حرمان الأسير من العلاج يعد بموجب نظام روما الأساسي جريمة ضد الإنسانية باعتبارها "تصفية بطيئة".
انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي الإنساني في التعامل مع الأسرى
- رغم وضوح القواعد التي وضعها القانون الدولي الإنساني لحماية الأسرى والمعتقلين، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي حول الأسرى الفلسطينيين إلى ساحة مفتوحة لانتهاك هذه القواعد على نحو ممنهج.
- تنص المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع على حظر التعذيب والمعاملة القاسية، وضمان ظروف احتجاز إنسانية، إلا أن الواقع داخل السجون الإسرائيلية يكشف عن ممارسات مناقضة تماما: عزل انفرادي يمتد لسنوات، حرمان من العلاج حتى الموت، اعتقال إداري دون تهمة أو محاكمة عادلة، وتعمد إذلال الأسرى في تفاصيل حياتهم اليومية.
- كما تؤكد اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 أن أي شكل من أشكال التعذيب النفسي أو الجسدي محظور بشكل مطلق.
- غير أن الاحتلال جعل من التعذيب سياسة ثابتة، تبدأ من لحظة الاعتقال بالضرب والشبح والتحقيق الطويل ولا تنتهي عند الإهمال الطبي المتعمد الذي حصد أرواح عشرات الأسرى منذ بداية الحركة الأسيرة.
- أما القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نص بوضوح على حق المعتقلين في مراجعة قضائية عادلة وفي معاملة إنسانية تحفظ كرامتهم.
- لكن الاحتلال أفرغ هذه النصوص من مضمونها عبر محاكم عسكرية تفتقر للحد الأدنى من العدالة، وعبر منع الأسرى من زيارة محاميهم أو التواصل مع ذويهم الأمر الذي جعل من الاعتقال أداة عزل تام عن العالم الخارجي.
ورغم التوثيق الواسع لهذه الانتهاكات من قبل المؤسسات الحقوقية والأممية يواصل الاحتلال الإفلات من المساءلة الدولية، ما يعكس حالة انفلات من العقاب ويشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الأسرى.
ويؤكد مكتب إعلام الأسرى في هذا السياق أن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون "يمثل خرقا صارخا لكل القوانين والمواثيق الدولية، ويكشف عن ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع جرائم الاحتلال، الأمر الذي يجعل حياة الأسرى وكرامتهم الإنسانية مهددة على نحو يومي".