حين لا يمتلك الاحتلال سبباً مبرراً لاعتقال شخص ما، يتم إحالة ملفه إلى الاعتقال الإداري، ويكون على عائلته أن تعد شهوراً متراكمة من عمره قبل أن يحصد الأسير أمراً جوهرياً يؤكد حريته، الأهم بالنسبة للاحتلال أن يتم تغييب هذا الأسير عن مستقبله الذي يهدد أمن الاحتلال كما يزعم أو تغيبه عن موقعه المؤثر.
تعلم عائلات الأسرى الإداريين أن المحامي الذي يتم تعيينه للترافع عن قضية ابنهم في محاكم الاحتلال الصورية، يعتبر عمله أمراً شكلياً، فهو يترافع حتى يمنع تمديد الأمر الإداري وفي الغالب يتم تمديه، دون أن يملك المحامي والأسير وذويه فرصة للدفاع، فقضية الأسير الإداري تكون محكومة بملف سري لا يعلم تفاصيله إلا الشاباك، ورغم ذلك يقف المحامين خلف الأسرى في قضاياهم لمنع استنزاف أعمارهم حد المستطاع.
بقليلٍ من التدقيق في قضايا الأسرى الإداريين وألم عائلاتهم على الأقل، يمكن تصور ما معنى انتظار انقضاء أجل تمديد ليبدء آخر من جديد، في أسلوب اعتقالي عفا عليه الزمن، ولا زال الاحتلال يستخدمه للتنغيص على الأسرى، وحتى يكون بإمكانه إعادة اعتقال الأسير مرة أخرى بحجة الملف السري.
قرابة 450 قصة
نحو 450 أسيراً إدارياً يحاربون بأعمارهم اليوم محاكم الاعتقال الإداري، ويطالبون بإحالة ملف هذا الاعتقال لمحكمة الجنايات الدولية، في الوقت الذي يعتبر فيه هذا الاعتقال أسلوب انتهاكاي غير إنساني، يتم في الوقت الذي يمكن للشخص فيه أن يهدد أمن الدولة ولا يجب ان يكون غير محدد، في الوقت الذي يستنزف الشاباك من خلاله أعمار الشباب الفلسطيني رغبةً في مجرد تغييبهم عن مجتماعتهم وعائلاتهم دون وجود تهمة واحدة بيده.
نتيجةً للظلم الممارس بحق الأسرى الإداريين والذي يتلخص في سوء المعاملة وأساليب التحقيق المجحفة وسياسة منع الزيارات أو تقليصها إلى حدود قليلة جداً وسياسة الإهمال الطبي، وأوامر التمديد المتتالية، والأعمار التي لا تضيع منهم إنما تضيع أيضاً من أفراح أبنائهم وحاجتهم إلى أن يرافقوهم في لحظات مهمة من أطوار حياتهم.
لأجل كل هذا يخوض الأسرى الإداريين وحدهم معركة مقاطعة محاكم الاحتلال، في الوقت الذي جرى تهديدهم بإجبارهم على المثول أمام المحاكم، بالقوة، وحافظ الأسرى الإدارين على مطلبهم بالنظر في أمر الاعتقال الإداري ومحاربته، منتظرين من المؤسسات المعنية وأبناء شعبهم الوقوف خلف خطوتهم التي تدخل يومها ال57 على التوالي.
مكتب إعلام الأسرى يسلط الضوء على نماذج لقصص أسرى إداريين يمكن من خلالها لمس مدى الألم الذي اضطر الأسرى للضغط على جراحهم ورفع صوتهم عالياً لأجله، كمجموعة واحدة، بعد أن حارب عدد منهم على مدار أعوام فردياً باستخدام أسلوب الإضراب المفتوح عن الطعام.
نماذج مختصرة
عائلة الأسرى الإداريين ونيابة عنهم وحدها الأقدر على نقل صورة مبسطة لعقول المغيبين عن مصطلح الاعتقال الإداري، ومحاكم التجديد، ومرافعات التمديد الشكلية، والانتظار القاتل للحكم الجوهري.
حسين محمد مرداوي(57عاماً)من سكان قرية قريوت، قضاء مدينة نابلس، لديه حفيدة صغيرة تدعى شام، لا تعلم ما معنى الاعتقال الإداري وفي كل مرة تكون والدتها إسراء مرداوي مضطرة لخوض غمار حديث صعب معها، ربما تبدأ تفاصيله نهاية أسبوعٍ طويل، حين ترغب طفلتها بالذهاب لبيت جدها.
شام الصغيرة، اعتادت أن تذهب لبيت جدها حتى تدفن نفسها في حضنه، لكن البيت فرغ من صوته منذ تاريخ 13/12/2017، ولم تعد شام تمارس طقوس الفرحة برؤيته، وطفولتها لا تسمح لها بفهم مدارك أمرٍ إداريٍ جديد بحق جدها للمرة الثانية على التوالي، كما ولا تعطيها أصابعها الصغيرة فرصة عد أربعة أشهر لجدها من جديد.
يعتبر الاعتقال الحالي للأسير مرداوي ثاني اعتقالٍ في سلسلة اعتقالاته السابقة يخوض خلاله أمر التجديد الإداري رفقة عائلته، ففي اعتقاله السابق صدرت بحقه ثلاث أوامر إدارية، وفي اعتقاله الحالي أصبح عدد الاوامر الإدارية حتى الآن اثنان، وبذلك يكون الأسير مرداوي قد أمضى في سجون الاحتلال ما يزيد عن العام والنص في الاعتقال الإداري المتجدد، إلى جانب اعتقالات سابقة متفرقة يبلغ مجموعها بقيمة الأحكام الفعلية، قرابة الأربع سنوات.
في قرية برقة، قضاء نابلس، تتواجد قصة أسيرٍ إداريٍ آخر، بأمل انتظارٍ يظهر منه ألم عامٍ واحد، ففي عائلة حجة ازداد الألم لديها بنداً جديداً، باعتقال الأسير مصطفى حجة(37عاماً) شقيق الأسير المؤبد سليم حجة.
تقول زوجته دعاء حجة"يتواجد زوجي حالياً في سجن ريمون، هو من الأسرى المقاطعين للمحاكم الإدارية، كما غالبية الأسرى، وكان محمايه محمود جبارين يبلغنا بأخباره بداية اعتقاله إلا أنه وباستمرار قرار الأسرى الإداريين لمقاطعة المحاكم الإدارية، غابت أخباره جزئياً عنا".
منذ شهر نوفمبر لعام 2017، اعتقل الاحتلال من جديد الأسير مصطفى حجة، بعد سلسة من الاعتقالات السابقة والتي تبلغ في مجموعها ما يتجاوز الثلاث سنوات، إضافة إلى غرامة مالية صدرت بحقه في أحد اعتقالاته السابقة والتي وصلت إلى 50 ألف شيقل، وإقامة جبرية كان عليه الامتثال لها، إضافة إلى زيارات متفرقة للمحاكم، تجدد ألمها باعتقالٍ جديد، وإداري هذه المرة.
تضيف زوجته دعاء"جددت محاكم الاحتلال الأمر الإداري لمصطفى حتى الآن ثلاث مرات، في بداية اعتقاله أمضى أسبوعين في التحقيق لم يتم احتسابها من الامر الإداري الأول والذي بلغ أربعة اشهر، وفي الأمر الثاني أمضى شهران، أما الأمر الجديد الذي صدر بحقه فقد بلغ شهرين أيضاً، من المقرر أن تنتهي المدة الجديدة بتاريخ 30/5/2018".
للأسير حجة طفلان بعمر الورد، هما هادي وهو بعمر السادسة وتاليا وهي بعمر الخامسة، وبالنسبة لهما لا يمكن فهم تفاصيل الاعتقال الإداري، وانتهاء موعد الحرية المتوقع في كل مرة، ورفقة أمهما يعلمان أن اعتقال زوجها جلب خيراً غير متوقع لعدد من الأسرى في قسمه فهو صانع حلويات معروف في منطقته والأسرى في سجنه لم يتذوقوا طعماً حلواً منذ زمن، كما أن الفرصة أتيحت له ليلتقي بشقيقه المؤبد سليم حجة ويرافقه شطراً من ألم انتظاره.
الأسيرات الإداريات
ماريا وسارة وغفران وجنان وليث وحجازي، أسماءٌ لا مجردة، وتحمل رزماً من الأمل والقصص المخبأة لحين حرية والدتهم كما هو مقررٌ بعد شهرين، حيث أصدر الاحتلال في آخر تميدٍ لها قراراً جوهرياً غير قابل للتميدد يفيد باقتراب حريتها بعد ثلاث أوامر إدارية استنزفت أعصاب عائلتها وأطفالها الستة.
بتاريخ 9/10/2017، اعتقلت الأسيرة خديجة الربعي (33عاماً) من الخليل، بحجة الملف السري، وغيبها الاعتقال عن حقها في رؤية أطفالها والجلوس معهم والاستماع لهمومهم الطفولية، فقد تركتهم لحوماً طرية، كانت غفران لا تزال بعمر الأربع سنوات، بداية اكتشافها للقضية شعبها، وطفلها البكر ليث لم يغادر بعد عمر ال13 عاماً، ولا زال لديه أجوبة معلقة لكثير من الأسئلة لأمه يخبأها لحين حريتها.
الأوامر الإدارية تستنزف أيضاً عمر أسيرتان مناضلتان وناشطتان، هما الأسيرة بشرى الطويل والنائب خالدة جرار، الأسيرة بشرى جمال الطويل (25عاماً) من رام الله، أصدرت محكمة الاحتلال بحقها في شهر فبراير الماضي قراراً جوهرياً مدته أربعة أشهر، بعد اعتقالها منذ تاريخ 1/11/2017، وإصدار أمرين إداريين بحقها.
الأسيرة الطويل تعتبر قامة شامخة ساندت الأسرى وعائلاتهم ونطقت باسمهم في أحيانٍ كثيرة ونظمت عدداً من الفعاليات نصرةً لهم، ولم يمنعها اعتقالها سابقاً مدة 16 شهراً والإفراج عنها في صفقة الأحرار، وإعادة اعتقالها من جديد لإكمال احكم السابق من أن تواصل جهدها لرفع مستوى الوعي بقضايا الأسرى.
النائب خالدة جرار (55عاماً) من رام الله، اعتقلت بتاريخ 2/7/2017، وأصدر الاحتلال بحقها أمري اعتقال إداري مدة كل منهما ستة أشهر، ورغم ذلك فقد استغلت النائب في المجلس التشريعي جرار فترة اعتقالها للإشراف على الأسيرات في مرحلة الثانوية العامة، وعقدت دورات لزيادة وعيهن حول الاعتقال، ووقفت لأجل تعليمهن من داخل الأسر والمطالبة بحقوقهن، ولا زالت.
معركة الكرامة
يسجل أسيران إداريان أياماً متفاوتة لفترات إضراب مفتوحة عن الطعام، حرباً على الأوامر الإدارية المتكررة بحقهما، وهما الأسيران مصعب توفيق هندي (28عاماً) من نابلس، وسامي محمد جنازرة (45عاماً) من الخليل.
الأسيران جنازرة وهندي يشتركان في أن كلاهما قضى في سجون الاحاتلال قرابة 10 سنوات من عمره، وكلاهما قضى غالبية هذه السنوات تحت ألم الأوامر الإدارية المتجددة، لذلك ليس غريباً أن يخوض كلٌ منهما إضراباً مفتوحاً عن الطعام تزامناً مع مقاطعة الأسرى الإداريين للمحاكم، علماً أن الأٍسير جنازرة خاض إضراباً سابقاً في أحد اعتقالاته الإدارية، واستمر فيه قرابة ال70 يوماً.
حتى اليوم تجهل عائلة الأسير هندي مصيره، ومعلوماته الصحية الأخيرة، فقط يعلمون أن وضعه الصحي آخذٌ بالتدهور بشكلٍ متزايد، وأن وزنه انخفض 9 كغم، لكنه مستمر في إضرابه المفتوح انتصاراً لإرادته في إنهاء ملف اعتقاله الإداري، وإصدار أمر جوهري نهائي بحقه.
لا تملك عائلة الأسير الهندي المزيد من الألم والقدرة على تحمل سنة أخرى في حياة ابنهم المستنزفة، سبع سنوات إدارية من طفولته وشبابه تكفي حتى الآن، وبالنسبة للعائلة فقرار الإضراب كان لأجل كل هذه السنوات الطويلة.
العزل، التنقل الدائم بين زنازينه، وحرمان الزيارة والكانتينا، هي أساليب ستخدمها الاحتلال ضد حقٍ مفروغٍ يمارسه هندي لينال حريته، لثنيه عن مواصلة إضرابه، في حين وخارجاً تزأر العائلة لأجله كل يوم في وجه صمت المجتمع عن قضيته وملفٍ سريٍ له لم يغلق منذ عمر ال18 حين خاض أول اعتقالٍ له.
الاحتلال يعتقل الأسير هندي منذ تاريخ 15/3/2017، ومنذ 33 يوماً يخوض معركة الإضراب لرفض الظلم الواقع عليه، في حين دخل الأسير سامي جنازرة يومه ال18 في إضربه المشروع منذ اعتقاله بتاريخ 13/12/2017، وقد صدر بحق كلا الأسيرين أمرين إداريين متفاوتين.
للأسير جنازرة قصة مع الحياة أيضاً، فلديه ثلاث أبناء بانتظار حياة طبيعية، وهذا ليس الاعتقال الأول الذي يسلبهم إياه، فقد أكل الإداري 16 شهراً من حياته سابقاً، وقرابة 9 سنوات أحكام فعلية سابقة، ورغم ذلك لا تزال العائلة تحارب معه في قراره، تماماً كما المرة الماضية، حتى ينال حريته.
المرحلة القادمة
لاحقاً، وتزامناً مع دخول يوم الأسير الفلسطيني، والتفاف الشعب خلف قصصهم يعمل الأسرى الإداريين على التحضير لتصعيد جديد في خطواتهم ضد محاكم الاعتقال الإداري، فهم سيخوضون إضراباً مفتوحاً عن الطعام على دفعات.
اللجنة القيادية للأسرى الإداريين المعتقلين صرحت بأن الأسرى الإداريين لن يكتفوا بمقاطعة المحاكم الإدارية فقط بل سيلجأون لمقاطعة عيادات السجون، وسيتوقفون عن تناول الأدوية منهم، كما وسيدخلون على دفعات إضراباً عن الطعام بدءاً من تاريخ 15/4/2018.
لا يطالب الأسرى الإداريين في خطواتهم الإسنادية إلا أن يقف الشارع معهم للضغط من أجل حقوقهم لإنهاء إحدى أفظع السياسات الممارسة بحق الأسرى في سجون الاحتلال.