الشيخ جمال أبو الهيجا : عزل جديد يفتح جراحاً قديمة ويعمّق نزيف العائلة المناضلة
إعلام الأسرى

لا تزال السجون تُغلق أبوابها في وجه الأسير القيادي الستيني جمال عبد السلام أبو الهيجا (66 عاماً) من سكان مخيم جنين. ويعيش الأسرى، بشهادات المحررين من مختلف السجون ودموعهم التي يذرفونها ساعة الحرية ووجوههم الشاحبة التي تستقبل عائلاتهم، أوضاعاً هي الأسوأ منذ سنوات؛ فالقمع دوري وممنهج، وسياسة التجويع لا تزال قائمة، والاقتحامات شبه يومية، فيما تستمر حالة الطوارئ التي فرضها الاحتلال منذ حرب السابع من أكتوبر، ما يعني انقطاع زيارات الأهالي وممارسة السجان حريته المطلقة في تعذيب الأسرى والتنكيل بهم بعيداً عن الأعين.

قبل عشرين يوماً، وصل الأسير جمال أبو الهيجا إلى محطة جديدة في رحلة اعتقاله الطويلة: عزل انفرادي في سجن جانوت، بعد فترة أمضاها في قسم 17 بسجن نفحة. فقد تعرّض هناك، رفقة الأسرى كافة، لعملية قمع خلال الفورة، وأُطلق عليهم الرصاص المطاطي، وفي صباح اليوم التالي جرى نقله من غرفته إلى العزل دون أي سبب واضح.

يعاني الأسير أبو الهيجا اليوم في عزله من آثار إصابات سابقة، فقد تعرض لمحاولات اغتيال عدة وبُترت يده اليسرى في إحداها. ورغم مرور سنوات طويلة على إصابته، إلا أنه لا يزال يعاني من تبعاتها حتى الآن، إضافة إلى ضعف في النظر، وإصابته المتكررة بمرض السكابيوس المنتشر بين الأسرى. ويأتي عزله الحالي ليضاعف من أوجاعه ويزيد من خطورة وضعه الصحي.

ويمثل الأسير جمال أبو الهيجا، بعمره الستيني ووضعه الصحي، حالة خاصة من الآلام والأوجاع. ورغم ذلك، لا يزال الاحتلال يعتبره خطراً دائماً، فرفض الإفراج عنه في صفقات التبادل، ويواصل اعتقاله منذ 28/8/2002، تحت حكم بالمؤبد المكرر تسع مرات، إضافة إلى 20 عاماً أخرى. وفي ظل تعمّد إدارة السجون استهداف قيادات الحركة الأسيرة بالقمع والعقوبات بعد انتهاء صفقة تبادل الأسرى، يعيش أبو الهيجا ظروفاً اعتقالية قاسية لا يعرف تفاصيلها أحد.

قطع أبو الهيجا شوطاً طويلاً في درب النضال، فقد اعتقل عام 1992 ونال حريته بعد 18 يوماً من التحقيق، ثم أعيد اعتقاله عام 1993 لمدة أربعة أشهر، وفي عام 1995 لمدة أربعة أشهر أخرى، وفي عام 1998 لمدة 16 شهراً. لم يُتح له الاستقرار مع عائلته، وسار أبناؤه على خطاه، فأصبحوا أسرى مثله.

حتى اليوم، لا يزال منزل الأسير يأن تحت وطأة الغياب. فقد نزحت العائلة من المخيم بعد الحملات التهجيرية، وتشتت أفرادها، فيما يرزح أربعة من أبنائه في الاعتقال. الأسير عبد السلام أبو الهيجا (42 عاماً) معتقل منذ 10/8/2022 تحت الاعتقال الإداري، ونجله عاصم (39 عاماً) منذ 19/6/2023، كما تعتقل السلطة ابنه عماد منذ نحو تسعة أشهر. جميعهم يعانون آثار النزوح وانقطاع الأخبار، فلا يصلهم شيء سوى ما ينقله الأسرى المحررون.

وإلى جانبهم، يعتقل الاحتلال ابنته المحامية بنان أبو الهيجا منذ 7/5/2025، بعد اعتقالها على حاجز عطارة، ولا تزال قيد الاعتقال الإداري. تعيش بنان في سجن الدامون أوضاعاً صعبة، تفكر في طفليها اللذين تركتهما قسراً، وفي والدتها التي كانت ترعاها على فراش المرض قبل أن تتوفى بعد أيام من اعتقال ابنتها، دون أن يمنح الاحتلال أي فرد من العائلة فرصة وداعها.

خلال سنوات اعتقاله الطويلة، عاش أبو الهيجا سلسلة من الآلام؛ فقدت زوجته شطرها الآخر الذي تقاسمت معه العمر والانتظار، فيما فقد هو نجله حمزة شهيداً عام 2014، كما فقد والده وشقيقته وشقيقه دون أن يتمكن من وداع أي منهم، وظلّت حسرة اللقاء الأخير عالقة في قلبه حتى اليوم. ويحمل جمال فكراً واسعاً وثقافة راسخة، إذ حصل على بكالوريوس في التاريخ وآخر في اللغة العربية، إضافة إلى دبلوم في اللغة العربية.

حاول الاحتلال اغتياله مرات عدة وفقد يده اليسرى في إحداها، وبعد أشهر من المطاردة اعتُقل وتعرض لعزل انفرادي طويل دام عشر سنوات. وها هو اليوم يعود إلى العزل ذاته، لكن بآلام مضاعفة وذكريات أثقل، وبانتظارٍ لنهاية حالة الطوارئ التي استباحت فيها إدارة السجون أجساد الأسرى ودماءهم في غياب كامل للرقابة والمحاسبة.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020