تقرير حقوقي: تصاعد التعذيب والإذلال الممنهج بحق الأسرى الفلسطينيين بعد حرب الإبادة
تقرير حقوقي / إعلام الأسرى



شهادة الأسير المحرر يوسف الزهور نموذجًا

يكشف هذا التقرير المستند إلى شهادة الأسير المحرر يوسف الزهور، جانبا من الانتهاكات الممنهجة التي تعرّض لها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي عقب اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة في أكتوبر 2023، حيث تحولت السجون إلى ساحات عقاب جماعي وانتهاك شامل للكرامة الإنسانية في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة والقانون الدولي الإنساني.

أولا: سياسة القمع الشامل وبدء مرحلة جديدة من التعذيب

أشار الزهور إلى أن إدارة السجون الإسرائيلية بدأت فورًا بعد 7 أكتوبر بحملة تجريدٍ واسعة ضد الأسرى، شملت:

- مصادرة كافة المقتنيات الشخصية بما فيها الأدوات الكهربائية ومواد التنظيف.

- تخريب متعمّد للأطعمة عبر خلطها أو إتلافها عمدًا.

- قطع التيار الكهربائي المتكرر وفرض أجواء من العتمة والحرمان.

- وردّا على احتجاج الأسرى، قال ضابط السجن: "الله يعينكم على اللي جاي عليكم… المرحلة الجاية صعبة جدًا"، ما يعكس نية مسبقة لتصعيد القمع بشكل منظم وممنهج.

ثانيا: التجويع والعقوبات الجماعية

بحسب الشهادة، فرضت إدارة السجون سياسة تجويع قاسية، إذ خُصصت وجبات لا تكفي حتى ربع عدد الأسرى في الأقسام، مثل تقديم “صينيتين من الأرز وطنجرة شوربة لمئة أسير.”

كما نفذت وحدات القمع “النحشون” و“المتسادة” اقتحامات فجرية داخل الأقسام، تخللتها عمليات نقل جماعي للأسرى وهم مكبلو الأيدي وبالملابس التي ناموا بها، مع مصادرة كافة الأغراض الشخصية بما فيها الصور العائلية.

وصفت عمليات التفتيش بأنها كانت تهدف إلى الإذلال المتعمّد، حيث أُجبر الأسرى على الاستلقاء أرضًا لساعات وسط الشتائم والإهانات.

ثالثا: التعذيب الجسدي والنفسي الممنهج

رصد التقرير من خلال الشهادة أنماطًا متعددة من التعذيب، من أبرزها:

- تفتيش مهين من قبل مجندات وصل إلى مناطق حساسة من الجسد، في انتهاك واضح للكرامة الإنسانية.

- استخدام القنابل الصوتية داخل الأقسام للمرة الأولى، ما تسبب بحالات اختناق وإغماء جماعية.

- الضرب الوحشي أثناء النقل والتحقيق، وإجبار الأسرى على أوضاع جسدية مؤلمة ومهينة.

كما نقلت مشاهد لأسرى من زنازين المسكوبية يعانون من كسور وجروح مفتوحة، تعرّضوا للضرب المبرح أثناء التحقيق ورفضهم إهانة قادتهم وشهدائهم.

إحدى الحالات أُجبرت على الرقص على موسيقى إسرائيلية بعد تعريتها، ما يشكل انتهاكًا خطيرًا لكرامة الإنسان وحظر التعذيب وفق المادة (3) من اتفاقية مناهضة التعذيب.

رابعا: استخدام الإهمال الطبي كأداة عقاب

وثّقت الشهادة أيضًا تحويل العلاج الطبي إلى أداة إضافية للتعذيب، إذ كان الأسرى يُعادون من المستشفيات بعد تعرّضهم للضرب أثناء النقل، ما دفع كثيرين إلى رفض العلاج خوفًا من الإهانة المتكررة.

يقول الزهور: “صار الألم خيارنا الأخف، لأن العلاج كان يعني جولة جديدة من الضرب.”

كما أصيب الزهور نفسه بكسر وخلع في الكتف بعد سقوطه على أداة صغيرة (المزليق)، ورفضت الإدارة تقديم علاج مناسب له، مكتفية بمسكنٍ بسيط، مما فاقم إصابته وأدى إلى تورم شديد.

خامسا: الحرمان من المقتنيات والاحتياجات الأساسية

فرضت الإدارة قيودا مشددة على الأسرى، شملت:

- منع الفُرش والأغطية والملابس في البرد الشديد.

- النوم اثنين في فراش واحد وغطاء واحد.

- منع أدوات النظافة الشخصية وفرشاة الأسنان.

- وفي أحد أيام عيد الفطر، نفذت وحدات القمع اقتحامًا خلال “الفورة”، أطلقت خلاله قنابل صوتية داخل الساحة وقال أحد الضباط للأسرى ساخرا: “بدنا نعيد عليكم بطريقتنا.”


سادسا: آثار نفسية وجسدية دائمة

يؤكد الزهور أن الهدف من كل تلك الإجراءات كان كسر الإرادة وطمس الكرامة، مضيفًا:

“قطعونا عن العالم تمامًا، لكنهم لم يستطيعوا كسرنا. كنا نعيش على الدعاء والأمل بالحرية.”

سابعا: توصيات ومطالب

يحمل مكتب إعلام الأسرى سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات الممنهجة ضد الأسرى الفلسطينيين، ويطالب بـ:

1. تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في جرائم التعذيب والمعاملة المهينة بعد حرب 7 أكتوبر.

2. تمكين المؤسسات الحقوقية والطبية من زيارة السجون والاطلاع على أوضاع الأسرى.

3. محاسبة قادة مصلحة السجون ووحدات القمع على انتهاكاتهم الجسيمة وفق القانون الدولي.

4. توفير الحماية القانونية والطبية العاجلة للأسرى، ولا سيما المرضى والمسنين منهم.

تؤكد شهادة الأسير يوسف الزهور أن ما جرى في سجن نفحة وغيره من السجون الإسرائيلية بعد حرب الإبادة يشكل نظاما مؤسسيا من التعذيب والانتقام، لا حوادث فردية.

وتمثل هذه الشهادة وثيقة حية على حجم الانتهاكات التي ترتكب في الخفاء داعية المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته إزاء ما يجري خلف الجدران من إعدام بطيء للكرامة والإنسانية.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020