في كل مرة تفي فيها المقاومة بوعودها لأهالي الأسرى، تؤكد أن حرية الأسرى وعدٌ لا رجعة عنه، وأن نصرها لن يكتمل إلا بتحرير آخر أسيرٍ من سجون الاحتلال وعودته إلى أحضان عائلته.
وما بين ذكرى صفقة وفاء الأحرار التي تدخل عامها الرابع عشر، وصفقة طوفان الأحرار التي عشنا المرحلة الثالثة منها قبل أيام، تبرهن المقاومة الفلسطينية أنها على العهد باقية، وفي سبيل حرية الأسرى ماضية، حتى تبيّض السجون ويُطوى عهد التنكيل والضرب والإهانة.
منذ تأسيسها، وضعت المقاومة ملف الأسرى على رأس أولوياتها، وأكدت وحدة الظل – الذراع الخفية التي برزت في أعقاب أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط – أن هذا الملف لن يُغلق حتى يُحرَّر آخر أسير من سجون الاحتلال.
فقد كانت هذه الوحدة مكلفة بإخفاء شاليط داخل قطاع غزة بعيدًا عن أعين الاستخبارات الإسرائيلية، ونجحت في مهمتها لسنواتٍ طويلة، حتى تم إبرام صفقة وفاء الأحرار عام 2011 التي نال بموجبها (1027) أسيرًا حريتهم، بينهم (20) أسيرة، مقابل شريطٍ مصوّر يؤكد حياة الجندي، إلى جانب الإفراج عن (315) أسيرًا محكومين بالمؤبد في المرحلة الأولى، و(550) أسيرًا آخرين بأحكامٍ تتجاوز (2000) سنة.
ومنذ العام 2006، غدت وحدة الظل سرّ الحرية لكثير من الأسرى، ورافعةً ميدانية وعقائدية خلف كل صفقة، تُخفي الأسرى وتُبقي العدو في حيرةٍ دائمة، حتى أصبحت إحدى أهم الوحدات العاملة في كتائب القسام.
وما بين صفقة وفاء الأحرار وصفقات طوفان الأحرار، بقيت المقاومة على عهدها للشعب الفلسطيني، لا تتراجع عن وعودها، ولا تحيد عن هدفها حتى تحرير آخر أسير.
وفي مثل هذا اليوم من أكتوبر المجيد، تحل الذكرى الرابعة عشرة لصفقة وفاء الأحرار التي أبرمتها المقاومة عام 2011، بعد أن فشل الاحتلال في تحرير شاليط رغم حربه على غزة عام 2008.
واليوم تتزامن هذه الذكرى مع مرور أشهرٍ على صفقة طوفان الأحرار 2، وأيامٍ قليلة على صفقة طوفان الأحرار 3 التي استطاعت المقاومة فيها الإفراج عن (20) أسيرًا إسرائيليًا مقابل 3985 أسيرًا فلسطينيًا، منهم 87% من أسرى المؤبدات.
وفي عام 2021، جددت المقاومة وعدها حين خرج الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة معلنًا أن أبطال نفق الحرية في جلبوع سيخرجون مرفوعي الرأس، وأن أي صفقة تبادلٍ قادمة لن تتم إلا بتحريرهم، فكانت المقاومة عند وعدها.
واليوم يتنسم محمود العارضة وأيهم كممجي – مهندسا عملية النفق – نسائم الحرية في صفقة طوفان الأحرار 3، تحيط بهم عائلاتهم التي ما زالت غير مصدقة أن أبناءها باتوا بهذا القرب.
لقد وعد أبو عبيدة وأوفى، ووعدت المقاومة وأوفت، وبذلت وحدة الظل في الخفاء جهدًا لا يعلم مداه أحد، فقهرَت العدو، وكان من أجمل ثمار ذلك أن نال العارضة وكممجي حريتهما، ليبقى الوعد قائمًا نحو تحرير باقي أبطال النفق، وحتى تزغرد آخر أمّ أسيرٍ بلقاء ابنها.
إن أرقام صفقات الحرية – وفاء الأحرار ، وطوفان الأحرار 1، وطوفان الأحرار 2، وطوفان الأحرار 3 – ليست أرقامًا صماء، بل تعبيرٌ عن تضحياتٍ عظيمة وجهودٍ متواصلة، وعن نضالٍ طويلٍ نزف فيه الشهداء والمجاهدون أرواحهم.
واليوم، يقف القائد محمود عيسى شامخًا باسم وحدة القسام الخاصة (101)، ويقف الأسير المحرر باسم خندقجي خلف رواياته التي حلم يومًا أن يوقعها حرًّا بيده، ويجوب أحمد قنـبع شوارع مصر مرددًا أغاني القسام وكلمة “خاوة” التي حملت عبير الحرية، بفضل تضحيات المقاومة وأهالي قطاع غزة.
لن تقف كتائب القسام وفصائل المقاومة عند هذا الحد، فقد عوّدوا شعبهم على معنى الكرامة والانتصار.
وستبقى كلمات أبو عبيدة تصدح في أرجاء البيوت الفلسطينية، تبشّر الأمهات بيومٍ قريبٍ يتم فيه تبييض السجون كاملة، وحتى ذلك اليوم ستبقى صفقات وفاء الأحرار دينًا في أعناق الأحرار، ورايةً تعانق السماء حتى تكون الحرية نصيب كل بيتٍ فلسطيني.