تشكل زيارات المحامين للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال إحدى المحطات القاسية التي تكشف حجم الانتهاكات الممنهجة بحقهم. فبدل أن تكون هذه الزيارات وسيلة قانونية وإنسانية للتواصل مع العالم الخارجي تتحول إلى رحلة طويلة من العذاب المزدوج؛ إذ يتعرض فيها الأسير للإذلال فيما يواجه المحامي سلسلة من العقبات المفتعلة التي تجعل الزيارة أشبه بمعركة يومية مع إدارة السجون.
معاناة الأسرى خلال الزيارة
ما جرى توثيقه مؤخرا في سجن "جانوت" (الذي يضم أسرى نفحة ورامون) يكشف صورة دامغة عن القسوة الممارسة خلال الزيارة. فمنذ الخامسة فجرا يجمع الأسرى من أقسامهم المختلفة ليجبروا على الوقوف على أقدامهم وهم معصوبو الأعين بانتظار دورهم.
ويستمر هذا الوضع المهين حتى ساعات المساء حيث لا يدخل المحامون عادة إلا بعد العاشرة صباحا وتنتهي الزيارات عند الرابعة عصرا، ما يعني أن الأسرى يبقون واقفين قرابة 12 ساعة متواصلة، محرومين من الراحة أو الجلوس، في مشهد لا يمت للإنسانية بصلة.
أوضاع السجن
الأوضاع الداخلية في "جانوت" لا تقل قسوة عن مشهد الانتظار الطويل:
- الاعتداءات الجسدية بالضرب ما زالت متواصلة ضد الأسرى.
- الأمراض تنتشر بشكل ملحوظ، وعلى رأسها (السكابيوس)، وسط إهمال طبي متعمد.
- الطعام المقدم سيئ ويفتقر لأبسط المعايير الصحية.
- الخروج إلى ساحة "الفورة" خاضع لمزاج السجان: ساعة أحيانا، ربع ساعة أحيانا أخرى، وغالبا يمنع نهائيا في سياسة تضييق واضحة تهدف لكسر إرادة الأسرى.
زيارات المحامين للأسرى: موانع وعقبات تفتعلها إدارة سجون الاحتلال
لم تكتف إدارة السجون بإجراءاتها التعسفية بحق الأسرى بل وضعت كذلك عراقيل مقصودة أمام المحامين، منها:
- التعاطي المحدود مع الطلبات : لا تتجاوب الإدارة مع معظم طلبات الزيارة، وتكتفي بالموافقة على عدد يسير منها.
- اشتراطات مجحفة: يسمح للمحامي بزيارة أسير أو اثنين على الأكثر مع إلزامه بركن سيارته في أماكن بعيدة ما يضطره لقطع مسافات طويلة سيرًا على الأقدام.
- إنكار وجود الأسرى: في حالات عديدة لا تعترف إدارة السجون بوجود الأسير رغم تأكيد مؤسسات حقوقية مثل "هموكيد" و"بتسيلم" لعائلته بوجوده.
- صعوبة تحديد مكان الاعتقال: كثيرا ما يمتنع السجانون عن الإفصاح عن مكان الأسير أو يتركون الأمر لمزاجيتهم.
- إعادة المحامين من أبواب السجون: حتى بعد الموافقة المسبقة على الزيارة، يُعاد المحامي بحجة وجود "حالة طوارئ" داخل السجن.
- التنقلات المفاجئة للأسرى: يصل المحامي للزيارة فيُبلَّغ بأن الأسير نقل إلى سجن آخر دون تحديد مكانه الجديد.
- تباعد الفترات الزمنية بين الزيارات: يتم الرد على الطلب بعد أسبوع أو أكثر مع تحديد موعد بعد أسبوعين على الأقل، ليمنع بعدها المحامي من زيارة نفس السجن لشهر كامل.
انتهاكات قانونية ومخالفات إنسانية
تعد هذه الممارسات انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي أكدت على حق الأسير في المعاملة الإنسانية وحقه في التواصل مع محاميه وعائلته دون تعذيب أو إذلال.
كما أن إبقاء الأسرى واقفين لساعات طويلة وهم معصوبو الأعين يصنف ضمن المعاملة القاسية واللاإنسانية التي ترقى إلى جريمة حرب وفق اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقّعت عليها دولة الاحتلال نفسها.
يرى مكتب إعلام الأسرى أن ما يحدث خلال زيارات سجن "جانوت" وغيرها من السجون ليس سوى شكل من أشكال التعذيب الممنهج الذي يهدف الاحتلال من خلاله إلى قتل روح الأسير وإضعاف صلته بالعالم الخارجي.
وأكد المكتب أن هذه السياسات لن تفلح في عزل الأسرى أو كسر معنوياتهم، داعيا المؤسسات الحقوقية الدولية إلى التدخل العاجل لمحاسبة الاحتلال على هذه الانتهاكات المتواصلة.
إن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، سواء داخل الزنازين أو خلال الزيارات يكشف حقيقة المنظومة القائمة على الانتقام والإذلال، بعيدا عن أي التزام بالمعايير القانونية والإنسانية.