50 زهرة في قبضة الظلام.. صرخات الأسيرات من الدامون
إعلام الأسرى

50 امرأة، لا صفات مشتركة بينهن سوى أنهن من أرض واحدة، كل امرأة منهن لديها قصة وحياة خاصة بها.. تلك من القدس، وهذه من الخليل، وأخرى من قلقيلية، وغيرها من غزة، ونابلس، و...، و... اجتمعن في مكان واحد، لكنه لم يكن منتجعًا لأخذ نقاهة من متاعب الحياة، بل كان سجنًا قاتلاً، مدمرًا لأحلامهن!!

نعم، 50 امرأة يقبعن الآن في سجن "الدامون"، حيث يعتقلهن الاحتلال الإسرائيلي في أحوال تندى لها الجبين، وحياة تفتقر لأي مقومات.. وبين حين وآخر، يصدر صوت من إحداهن يُحدثنا بوجع عمّا تمر به الأسيرات من أوضاع مزرية.. لكن هل من مجيب؟ وهل من مُلبي لخنساوات فلسطين؟

اليوم نعيش جزءًا من معاناتهن، مع أسيرتين، كل واحدة منهما تروي جانبًا من الألم، والدمار، والوجع القابع في النفوس.. فإلى متى سنبقى نكتب عن الموت؟ أما آن الأوان لنرسم حكاية الحياة الجميلة المزدهرة؟

انتصار عواودة.. من قاعة المحاضرات إلى زنزانة الظلم

بطلة حكاية الوجع الأولى انتقلت من قاعة محاضراتها في جامعة الخليل، حيث اعتادت أن تُدرّس بشهادة الدكتوراة في الإدارة التربوية.. إنها انتصار طالب جبر عواودة، من دورا – الخليل.

تلك النشمية ما أن حلّت زيارتها، حتى بادرت بكل تلقائية، وكأنها واقفة في قاعة المحاضرات.. أملَت على المحامي أن يكتب ما تقول، وكأنها تُلقي محاضرةً أخيرة، فكسرت معه رهبة اللقاء الأول، ودوّنت له نقاطًا رئيسة، كمفاتيح للحديث لدقائق قليلة قادمة.

قالت للمحامي: "سلّم على نظمية وبناتها، فهمية وعيلتها، وعايشة وعيلتها، وفاطمة وعيلتها، وإخوتي جمال وصلاح وأحمد وعائلاتهم، ولمى، وكلّ الناس الطيّبة".

هذه المرأة الحديدية، وهي معتقلة دون تحديد حكم، قلقة جدًا على منزلها، وترتيبه ونظامه.. كأي امرأة فلسطينية تعتزّ ببيتها، تسأل: "هل هناك من يعتني بمنزلي؟ لقد أُخذت منه عنوة، وتركت أبوابه مشرعة!!"

ثم تنتقل لنقطة أخرى: إذا طال حبسها، فهي تحتاج لتقارير طبيّة بخصوص الديسك والجهاز الهضمي، وطبيب القلب.

تسأل المحامي: "ما زلت تتابعني وتكتب ما أُملي عليك؟"

ثم تواصل: "اعتقلوني يوم 13/5/2025. كنت ألقط ورق عنب، هجموا عليّ وبلشوا ضرب، أخذوا الجوال، والحاسوب، والهوية، وحلق الذهب، وما أخذت منهم ورقة أمانات!!!"

تخيّل؟ حتى الملابس الداخلية صادروها! وبقيت بدونها لـ15 يومًا. تقول: "انجبرت ألفّ حالي بالبطانية طول الوقت، عشان ما في ملابس تسترني!!"

22 يومًا قضَتْها في المسكوبية، وبعدها 3 ليالٍ في سجن "هشارون" وقت العيد. تقول: "قضيت وقت ما بتمناه لحدا!!"

"مكان مقرف جدًا: المغسلة فايضة، كمان زبالة بالغرفة، الحمام مليان زبالة، المجاري مفتّحة، الأكل مثلّج، لمّيت الزبالة بالشبشب، سكّرت المجاري بعلب الأكل عشان تخفيف الريحة. بق (صار عندي حساسية من قرصاته)".

بصبر العالمات، انتقلت انتصار إلى نقطة أخرى، تتحدث عن معاناة الأسيرات مع طقم الصلاة، قالت للمحامي: "الطقم مكوّن من قطعتين: تنورة تغطي الرجلين، واليانس يغطي الإيدين. ولمّا يروح ع الغسيل، البنت بتظلّ عريانة! بدنا طقمين لكل بنت".

ثم تتحدث عن قمعات إدارة سجن الدامون.. الفورة ممنوعة، والكلبشات في الأيدي والأرجل طوال الوقت.. تفتيش عارٍ في الحمامات، وبالأخص في 24/6/2025 نفّذت إدارة السجن ما تسميه الأسيرات بـ"القمعة الكبيرة"، باستخدام وحدات "اليماز" مع الكلاب!

"استخدموا الغاز في قمع الغرف، وهددوا الأسيرات بالاعتداء الجنسي، وسمّعوهن كلام بذئ جدًا، ومسبات قذرة".. فجأة قلت للمحامي: "جاي لعندك والكلبشات بإجري زي السكاكين من كثر ما شدّوهن، إيدي اليمين بعدها خدرانة من الكلبشات".

انتهت زيارة المحامي لـ"انتصار"، لكن حكايا الوجع في الدامون لم تقف عند هذا الحد...

فداء عساف.. السرطان في زنزانة مظلمة

كيف إذا اجتمعت كل القصص مع المرض؟ هنا ننتقل إلى بطلة الحكاية الثانية: الأسيرة المريضة فداء عساف.

فداء تعاني من استفحال مرض السرطان وانتشاره، والذي تغوّل في جسدها، مستغلًا أحوالها الاعتقالية القاسية واللاإنسانية التي تعاني منها هي وزميلاتها.

في زيارة المحامي لها، قالت إن المرض كان مستقرًا قبل الاعتقال، ولكن تبين مؤخرًا أن نسبته ازدادت من 000.1 إلى 000.5.

وقد اعتُقلت خلال عودتها من إجراء فحوصات طبية في مجمع رام الله الطبي. وهناك تعرّضت لتفتيش عارٍ، وشُتمت بأقذر الألفاظ، وقُبض عليها وزُج بها في زنزانة لا تمت للنظافة بصلة، "تسكنها الحشرات، لا يوجد بها ماء، وحُرمت من الطعام لأيام!".

لم تتوقف فداء عند وجعها فقط، بل تحدّثت عن الأسيرتين الحوامل في الشهر السابع زهراء كوازبة ودعاء بدوي. قالت إنهما تفتقدان لأدنى مقومات الحياة، وبحاجة لرعاية صحية خاصة، حيث تعانيان من الجوع، والتعب، والإهمال الطبي.

الأسيرات عمومًا محرومات من أبسط الحقوق: مستلزمات النظافة والعناية الشخصية، الملابس، الكانتين، الفورة (المشي)، والتي سُمح بها قبل أيام فقط، ولمدة لا تزيد عن ثلث ساعة!

هل من ضمير؟

لكن، رغم عمق هذا الوجع، وعظيم المعاناة التي ترزح تحت وطأتها الأسيرات، فإن لديهن وعيًا قويًا، وقلوبًا مفعمة بالحب والرضى والحنان.

كل ما ينتظرنه: فجر حريةٍ قريب.

فهل من ضمير عالمي يُنصت لصوتهن؟ وهل آن الأوان أن يُكتب لهن الفرج؟

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020