" رأيت معتقلين دخلوا أحياء وغادروا في أكياس الجثث "، بهذه الكلمات الصادمة افتتح جندي احتياط "إسرائيلي" شهادته عن معسكر سدي تيمان، مركز الاحتجاز الذي تحول في نظر من خدم فيه إلى ما يشبه "المقبرة الصامتة"، حيث تدفن الإنسانية بصمت، وترتكب جرائم ممنهجة خلف الأسوار دون رقيب أو محاسبة.
ونقلت صحيفة هآرتس العبرية شهادة الجندي الذي رفض الكشف عن هويته، خشية الملاحقة، مؤكدا أن ما يحدث في هذا المعتقل منذ أواخر عام 2023، يفوق الوصف ويصعب تصديقه. يقول الجندي: "كل من دخل إلى هناك، يعرف أنه ليس مركز اعتقال، بل معسكر تعذيب سادي تمارس فيه أبشع الانتهاكات بحق المعتقلين الفلسطينيين".
شهادة أُسقِطت عمدا
شارك الجندي في تحقيق استقصائي أجراه برنامج "زمان إيميت" التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية، وكشف فيه ما رآه بعينيه: معتقلون يموتون، وآخرون يصرخون من الألم بعد خضوعهم لعمليات جراحية دون تخدير، وآخرون يجبرون على قضاء حاجتهم على أنفسهم، بعد منعهم من استخدام الحمامات.
لكن شهادته لم تعرض، حذفت بالكامل، ولم يذكر في التقرير سوى حالة واحدة تتعلق بادعاء اعتداء جنسي ارتكبه جنود من وحدة "القوة 100". لم يذكر أي شيء عن التعذيب، ولا عن الجثث، ولا عن الجوع والبرد والحرمان من الدواء، ولا عن القادة الذين يعرفون ويسكتون.
" رأيت الجحيم "
يقول الجندي: "ما رأيته هناك ليس مجرد تجاوزات فردية هو جحيم منظم. رأيت معتقلا يموت أمامي، وجثثا تلف في أكياس سوداء. سمعت قائد السجن يقول: كبار القادة يسمونه (المقبرة)، وعلينا أن نوقف هذا". ومع ذلك، استمر كل شيء، ولم يتغير شيء.
ويضيف: "رأيت الجرحى من غزة يصلون إلى المعتقل دون علاج، يتركون ينزفون أياما. مدنيون بسطاء من غزة، اعتقلوا للتحقيق، عذبوا، وخرج من نجا منهم محطّم الجسد والروح. لا عجب أن بعضهم مات العجيب أن أحدا نجا".
تعتيم ممنهج
ورغم عشرات الشهادات التي وثقها الحراس والأطباء وحتى معتقلون سابقون، لم تعرض أي منها في التحقيق. بل ظهر رئيس قسم التحقيقات العسكرية متظاهرا بأنه لم يعلم بوجود الانتهاكات، إلا بعد تلقي بلاغ عن معتقل جريح ينزف. بينما الحقيقة، كما يؤكد الجندي، أن أعداد الداخلين والخارجين وحدها كافية لإدانة النظام بأكمله.
ويختم الجندي شهادته بمرارة: "كل من خدم هناك يعرف التعذيب، العمليات دون تخدير، البرد والجوع والقذارة والإهانة، كل ذلك واقع يومي. لكن الصحافة صمتت، والحقائق خبّئت. لم يكن الأمر سرا، لكنه لم ينشر، وكأن مقبرة عسكرية نشطة لا تستحق أن تكون خبرا".
معتقل سدي تيمان الواقع في النقب، تحول بعد السابع من أكتوبر 2023 إلى أحد أبرز مراكز احتجاز الفلسطينيين من قطاع غزة.
توجه إلى هذا المعسكر اتهامات واسعة بارتكاب جرائم تعذيب، وحرمان المعتقلين من حقوقهم الأساسية في ظل غياب شبه تام لأي رقابة دولية أو قضائية.
وفي الوقت الذي تتجاهل فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الجرائم تظهر بين الحين والآخر شهادات متفرقة – كهذه – تكشف بعضا من الجحيم المغيب داخل هذا المعتقل.