ماذا سنفطر اليوم؟ يفكر الجالسون في الغرفة طويلًا.. ماذا سنضع اليوم على مائدة الإفطار؟ لا يوجد هنا سوى القليل من الخبز والأرز والماء.. إذًا، من هذه الأغراض الثلاثة سنعد إفطارنا لهذا اليوم الرمضاني، والحمد لله الذي مَنَّ علينا بفضله.
عزيزي القارئ.. هل تعتقد أن ما سبق مجرد مشهد تخيلي لا حقيقة له؟ وهل تظن أن القصة توقفت عند هذا الحد؟ مع الأسف، لا. فللقصة بقية تحرق القلب قبل أن تجعل المعدة تصرخ من شدة الجوع!
فقبيل خمس دقائق فقط من موعد الإفطار، يقتحم السجانون - نعم، قرأتها قراءة صحيحة - فالغرفة التي نتحدث عنها هي زنزانة من زنازين سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث يقبع فيها أسرانا البواسل.
نعود لبقية القصة.. يقتحم السجانون غرف الأسرى بأبشع طريقة همجية لا يمكن أن تخطر على عقل بشر، ويربطون أيدي الأسرى خلف ظهورهم، ويقيدون أرجلهم، ثم يجرّونهم إلى الخارج جرًا، ويجبرونهم على البقاء ممددين على بطونهم.
ويهرع السجانون إلى الغرفة الفارغة أصلًا، إلا من غيار لكل أسير، وفراش بالٍ، ووسائد بسيطة، وقليل من الشامبو ومسحوق الغسيل، فيجمعون كل هذا في منتصف الغرفة، ثم يعمدون إلى طعام الإفطار ويسكبونه فوق الأغراض، في محاولة لقهر معنويات الأسرى.. لكن وإن ضعفت الأجساد، فمعنويات الأسرى تعانق حد السماء.
القصة رواها أحد قادة معركة مخيم جنين عام 2002، المحرر المُبْعَد الشيخ علي الصفوري، الذي تحرر ضمن الدفعة الأولى من المرحلة الأولى لصفقة "طوفان الأحرار"، بعد أن قضى في سجون الاحتلال ثلاثة وعشرين عامًا، من أصل حكمه بالسجن خمسة مؤبدات وخمسين عامًا.
ويتحدث الصفوري عن منع إدارة سجون الاحتلال أداء صلاة الجماعة في السجون، وخاصة صلاة الجمعة، كما أن رفع الأذان ممنوع، ولو سمع السجان أسيرًا يقرأ القرآن بصوتٍ عالٍ، يقتحم الغرفة ويضربه، وفي حال أراد بعض الأسرى أداء صلاة الجماعة، فهي يجب أن تكون بلا أي صوت!
لكن، هل كانت كل هذه الأساليب توهن عزم الأسرى؟ خاصةً في العام الأخير مع بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، وتصعيد إدارة سجون الاحتلال انتهاكاتها بحق الأسرى. الواقع يجيب عن هذه التساؤلات، إذ يقول المحرر الصفوري: "من غزة وصمود أهلها وثبات مقاومتها، كان الأسرى يستمدون القدرة على تحمل الجوع والعطش والتنكيل والضرب"، مشيرًا إلى أن بعض الأخبار البسيطة التي كانت تصل إلى الأسرى كانت تزيد من رفع معنوياتهم.
ولفت الصفوري إلى أن الضربة التي تلقاها الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023 لم يشهد مثلها منذ احتلاله فلسطين، فكانت من القسوة بمكانٍ لم يستطع تحمله، ولم يكن له إلا أن يفرغ انتهاكاته في قطاع غزة والأسرى العُزَّل، فتعرضنا في السجون للضرب والتنكيل والتعذيب على مدار الساعة، لكننا كنا على يقين بأن فجر الحرية قريب، وهو ما حصل فعلًا، وثقتنا أن المقاومة ستعمل على تبييض السجون كافة قريبًا، إن شاء الله.